«التفسير»، بأن مالكًا ترجم في «الموطإ» «أحصر» في الأمرين اهـ. قلت: فقد جرى على قول جمهور اللغويين أنه يقال: حَصره وأحصَره بدون همز وبالهمز، بمعنى مطلق المنع، سواء كان الذي منعه عدوٍّ أم كان مَرضًا ونحوه. وإنَّما غلب إطلاق المهموز على المنع من غير العدو، وإطلاق المجرد على منع العدو، وهذا الذي ارتضاه صاحب «الكشاف» في قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196؛ ولذلك تكون الآية صالحة لإفادة حكم كل منه، إلا أن غلبة الاستعمال جعلت حكمها أظهر في منع غير العدوٍّ وزادته السنة بيانًا. وبهذا تعلم وجه اقتصار الإمام رحمه الله هنا على الاحتجاج بعمل السنة دون الاحتجاج بالآية. ومن رأى أنَّ المهموز حقيقة في منع غير العدو رأى الآية غير مفيدة حكم منع العدو أصلاً. ومن عكس عكس أي: أحصر بسبب قتال وإن لم يكن جيش كفار. وإنما عبر العدو؛ لأنَّ أوَّل إحصار ورد في القرآن والآثار هو الذي أحصره المسلمون عام الحديبية.

***

مالك عن نافع، عن عبد الله بن عمر أنه قال حين خرج إلى مكة معتمرًا في الفتنة: إن صددت عن البيت صنعًا كما صنعنا مع رسول الله، فأهل بعمرة من أجل أن رسول الله أهل بعمرة عام الحديبية، ثم إن عبد الله نظر في أمره، فقال: ما أمرهما إلا واحد، ثم التفت إلى أصحابه، فقال: ما أمرهما إلا واحد، أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة ثم نفذ حتى جاء البيت فطاف طوافًا واحدًا، ورأى ذلك مجزئًا عنه وأهدى.

معنى هذا أنَّ ابن عمر كان قد التزم الحج كلَّ عام، فلما كان عام الفتنة قال له ابناه عبيد الله وسلالم: لا يضرُّك أن لا تحجَّ العامَ فإنَّا نّخاف أن يُخال بينك وبين البيت، فقال ما قال، وأهلَّ بالعمرة دون الحجِّ؛ إمَّ لأنَّه ظنَّ أنَّه لا ينعقد موسم الحجِّ في ذلك العام؛ وإمَّا لأنَّه لما توقَّع الإحصار أراد الائتساء بالة إحصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وقوله: «ثم نظر في أمره» أي: نظر نظر ترجيح بين الاقتصار على نية العمرة للتأسي في حال الإحصار، وبين أن ينوي الحجِّ؛ لئلا يبطل عادة طيبة التزمها فرأى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015