أكنتم تكرهون السعي بين الصفا والمروة؟ قال: نعم؛ لأنها كانت من شعائر الجاهلية حتَّى أنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [سورة البقرة: 158].
وقد تبينت أعمال مناسك الحج بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجَّة سنة عشر من الهجرة؛ فسائر أعمال الحجَّ عبادة الله تعالى اتبع فيها الإسلام شريعة إبراهيم - عليه السلام -، فلم يغير منها شيئًا، عقلنا بعض معانيها ولم نعقل الآخر ففوضنا العلم فيه إلى الله الذي أمر به رسوليه - عليه السلام -.
والحكمة في مجموعه بعد مجيء الإسلام التسامع بأمر التوحيد حتَّى لا يجد الإشراك مدخلاً إلى النفوس، واستشعار الوفادة على الله تعالى في بيته الذي أقامه دلالة على وحدانيته؛ واجتماع طوائف من المسلمين من أقطار الإسلام لتعرُّف بعضهم بأحوال بعض وتشاورهم فيما يعود عليهم بالنفع ويدفع عنهم المصائب والنوائب، وتعاون بعضهم ببعض؛ فكم كان موسم الحجِّ مُعْلِنَ علم العلماء، ومُسَيِّر تأليف المؤلفين النبلاء، ومبلغ مشتكى المضعوف من الخلفاء والأمراء. ثمَّ ما فيه من التجرد من علائق الحياة الدنيا تجُّردًا يُجعل منه برزخ يتسرى منه التجرُّد عن التشبث بالدنيا إلى مسالك النفوس فيزيدها زكاة وتقديسًا، وما فيه من تجلَّى المساواة الإسلامية في أجلى مظاهرها ... ومن مشاهدة منبثق نور الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومطلعه. ثمَّ من مشاهدة قبره - صلى الله عليه وسلم - مأوى ذلك النور ومستقَرٌّه، تحصيلاً بين البدء والختام في معرفة قدره وبرِّه.
مالك، عن حميد بن قيس، عن عطاء بن أبي رباح، أن عمر بن الخطاب قال ليعلي بن منية وهو يصب على عمر بن الخطاب ماءً، وهو يغتسل: اصبب على رأسي، فقال يغلى: أتريد أن تجعلها بي؟ إن أمرتني صببت، فقال له عمر بن الخطاب: اصبب فلن يزيده الماء إلا شعثًا.
قول عمر ليعلي أول مرة: «اصبب على رأسي»؛ أمر مستعمل في التحريض، كأنَّه