استقراء أدلَّة الشريعة ينبئ بأنَّ من مقصدها إتمام الأعمال الصالحة، فأمَّا المفروضات فلا شبهة في وجوب قضائها إذا اختلَّ معناها، وأمَّا التطوُّع فلأنَّ المتطوِّع قد كان في خيرة من أمره فلمَّا عزم التقرب إلى الله بنافلة وشرع فيها فقد تلبَّس بعمل صالح، فرجوعه عنه سوءُ أدب وندامة على فعل الخير؛ وذلك لا ينبغي أن يكون خلقًا للمؤمن، فوجوب إتمام المتطوِّع نافلته وجوبٌ عارض، ووجوب إتمام المفترض فريضته وجوب أصلي؛ ولذلك أوجب النبي - صلى الله عليه وسلم - على حفصة وعائشة قضاءً صومهما التطوع؛ إذْ أفطرتا عمدًا؛ ولذلك لم يجب قضاء التطوع على من أفطر فيه ناسيًا؛ لانعدام علَّة القضاء، بخلاف المفطر ناسيًا في صوم الفريضة؛ لأنه صَوم مقصود لذاته، فاختلاف يفضي إلى فوات المقصود منه. وقد استدلَّ مالكٌ هنا بقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وقوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] استدلالاً بعموم التعريف باللام للنوعين وقرينة العموم ظاهرة؛ لأن آية الصيام ذكرتْ نوعين: واجبًا وتطوعًا إذ قال: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة: 184]، وآية الحجِّ ذكرت الحجِّ والعمرة وليست العمرة بواجبة عنده، فأفادت عموم النوعين الفَريضة والتطوُّع؛ وبذلك تبينت مَحامل الآثار الواردة في أحوال هذا النسيان حمْلاً دلَّ عليه العمل وأرشد إليه النظر السديد. وقد بيَّنَّا ذلك في شرح حديث: «فإنمَّا أطعمه الله وسقاه» من «شرح مشكل البخاري».
***
ووقع في حديث عائشة وحفصة: «وبدرتني بالكلام وكانت بنت أبيها».