مثله ممَّا يتكرر السؤال عنه وتنقل الفتوى به. وإذا كانت عائشة وابن عبَّاس يفتيان بخلاف روايتهما؛ فذلك توهين لمدلول الرواية، فإمَّا أن يكون ذلك حُكمًا منسوخًا وإما أن يكون ذلك مؤَؤَّلاً. وقال عياض: إن اضطراب الرواية عن ابن عبَّاس، فبعضُ الرواة عنه روى أن السائل رجل وبعضهن روى أنَّه امرأة. وقد أجاب ابن العربي في «القبس»، فقال: إنَّما أجاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من مسألة: بانه يصوم وعلَّله بـ «أن» دَين الله أحق بأن يقضَى» من أجل أنَّهم كانوا قد جبلوا على إكرام أوليائهم بعد موتهم في الجاهلية حتَّى أن كانوا لينحرون الجزُر على قبور كرمائهم؛ لأنهم كانوا يحبون ذلك في حياتهم، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يقطع منهم ذلك البر بأوليائهم. انتهى، أي: وأن لا يظهر فيهم تنزيل حقوق الله تعالى عن عوائد الناس، فلمَّما تقرَّر الإسلام فيهم نسخ ذلك، ويدل لوهن إيجاب ذلك على الوليِّ أنَّه لو لم يصم الولي عن ميته لا أحسب أنَّ أحدًا يُقدم على القول بأنَّ الولي يعاقب على ترك صومه عن وليُّه الميت، فيكون (كذي العر يكوي غيره وهو رَاتع) على أن التشبيه بالدين يقتضي عدم الوجوب؛ لأنَّ الوليَّ لا يجب عليه أداء دين مولاه حفاظًا على المروءة، فلا شكَّ أنَّ الحديث ورد في حالة يحمل إبهامها على عدم الأخذ بظاهره.

وقد أخذ الجمهور في هذا بمثل ما أخذ مالك - رضي الله عنهم -. وقال أبو حنيفة: لا يصوم الوليُّ ولكن عليه فدية طعام مسكين عن كلِّ يوم وجوبًا في مال الميِّت واستحبابًا إن لم يترك مالاً. وقال الشافعي في أوَّل قوليه: يستحب للوليِّ أن يصوم عن مولاه الميت، وقد رجع الشافعي عن هذا القول إلى قول مالك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015