فيه حديث عمر أنه قال: حملت على فرسٍ عتيق في سبيل الله، وكان الرجل الذي هو عنده قد أضاعه، فأردت أن أشتريه منه، فسألت عن ذلك رسول الله، فقال: «لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحدٍ، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه».
الحمل معناه: إعطاء الفرس أو البعير لمن يرجى منه الجهاد؛ لأنه كفء له وهو لفقره لا يجد ما يركبه للجهاد، فسمِّيت تلك الصدقة حملًا؛ لأنَّها لأجل الحمل على الدابة للغزو لا لأجل الأكل أو نحوه. فالحمل تمليك على وجه الصدقة؛ لأجل أن يركبه في الجهاد المتصدَّق عليه، فهو تمليك لغرض موكول تنفيذه إلى أمانة المعطي ودينه. وقد جاء ذكره في القرآن في قوله تعالى: {ولا عَلَى الَّذِينَ إذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} الآية [التوبة: 92]؛ ولذلك لا يحجر على المتصدق عليه استعمال تلك الدابة لركوبه لغير الجهاد، وقد كان الحمل، أي: إعطاء المركوب لمن لا يجد ما يركبه من عطايا الأجواد في الجاهلية؛ لأن الركوب كان من مقومات حاجات الناس، ويسمى الذي لا يجد ركوبه كلًّا. وفي حديث خديجة: «قولها للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إنك لتحمل الكل وتكسب المعدوم»، فالجهاد هو الباعث للتصدق على صدقته وليس هو شرطًا في العطية، وبذلك يفارق الحملُ إعطاء الأمير ظهر الدابة من يركبها للخروج إلى الغزو، فذلك من التجهيز للغزو والدابة فيه ملك لبيت مال المسلمين، وهي إبل الزكاة ونحوها التي يتَّخذ لأجلها الحمى ونحوها، ولها حكم الوقف. على أن ذلك يسمى حملًا أيضًا، قال عمر: «لولا المال الذي أخمل عليه في سبيل الله ما حميتُ عليهم من بلادهم شبرًا».
ولأجل هذه الاعتبارات صحَّ بيع المحمول الدابة؛ لأنه مؤتمن على التصرف في ذلك باجتهاده، فالمظنون به أنه لا يبيعه إلا لأنه وجد ظهرًا يجاهد عليه؛ ولذلك لم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - بيع الفرس المذكور في حديث عمر، واقتصر على نهي عمر عن شرائه؛ لأنَّه هو المتصدق به، وعلَّله بقوله: «فإن العائد في صدقته» إلخ، ولهذا ترجمه مالك في