قال مالكٌ: «وإنما نُهي عن القعود على القُبور فيما نُرى للمذاهب».
أي: فلفظ القعود كناية، مثل ما وقع في خبر بناء بيعة الحبشة المسماة: القُلَّيْس بضم القاف، وفتح اللام المشددة، وسكون التحتية المسماة بالكعبة اليمانية من قول الراوي: «فجاء الكناني فقعد فيها» قال ابن هشام أي: أحدث. ووجه هذا المحمل أن الشريعة منزهو عن كراهة أو تحريم شيء في حق الميت يجوز مثله في حق الحي، فإن القبر بيت للميت ولا مانع من القعود على سطح بيت أحد، أو على سرير فوق سريره كبيوت المدارس وفُرش مراكب البحر؛ فتعين تأويل اللفظ على محمل صحيح فصيح الاستعمال. ومن العجب قول ابن بطال: «إن تأويل مالك هذا بعيد»، وأعجب منه قول النووي: «إنه بعيد أو باطل». ففي صحيح البخاري في باب «الجريد على القبر»: «وقال عثمان بن حكيم أخذ بيدي خارجه؛ فأجلسني على قبر، وأخبرني عن عمِّه يزيد بن ثابت قال: إنما كُره ذلك لمن أحدث عليه، وقال نافع: كان ابن عمر يجلس على القبور». ولهذا قام مالك البلاغ الذي عن علي - رضي الله عنه -.