أنه ضمام فقد أبعد:
وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إلا أن تطوَّع» منقطع يفيد الاستدراك لرفع ما يتوهم من قوله: «لا» أن يظن السامع أنه غير مستفيد من عمل البر غير ما ذكر، وقرينة الانقطاع نفس لفظ التطوع المؤذن بالاختيار، فلا يدخل في النفي الوارد جوابًا؛ لقوله: «هل عليَّ غيرهنَّ» المفيد بكلمة (عليَّ) معنى الوجوب واللزوم. ومن قال: إنه استثناء متصل وأن المراد إلا أن تشرع في تطوع فيكون عليك إكماله، فقد خرج عن مهيع الكلام خروجًا تثقيلًا وما ذكرته أسدُّ وأقوم قيلًا. ومبادرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذكر التطوع له انتهاز فرصة للترغيب في الخير. وما بيَّنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له من شرائع الإسلام هو الأعمال المتعينة على المسلم في خاصته فهي لازمة له بالذات، ولم يبين له الأحكام العارضة في المعاملات؛ لأنها تطول؛ ولأن عليه أن يسأل عنها عند حدوثها به أو تردده في الإقدام عليها، مثل الوفاء بالنذر كما هو معلوم لهم.
على أن الظاهر أن هذا السائل جاء في مبدأ نزول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة قبل أن تتسع الشريعة ويجب الجهاد، ألا ترى أنه لم يذكر له الحج ولا الجهاد ولا ما هو معلوم المذمة عند الناس قبل مجيء الشريعة مثل: السرقة، والزنى. وفي هذا ما يبين تأويل قول رسول الله للناس: «أفلح الرجل إن صدق»؛ لأنه إذا أتى بالواجبات المفروضة عليه، فقد صار مفلحًا.
جعلت الشريعة تغيرات أحوال الشمس فيما يبدو لنا أسبابًا لصلوات أي أوقات أمر بالصلوات؛ لأن الشمس آية عظيمة من آيات الله أو مظهر من مظاهر عظيم قدرته وخلقه؛ فجعل تغيُّراتها اليومية أوقاتًا للصلوات اليومية لمناسبة تذكيرها بالخالق المستحق