طويلٌ فارقد»، ولأن الله تعالى نبهنا على فضلها بقوله: {إنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]، ولم ينبه على غيرها في أوقات الصلوات المذكورة قبل بقوله: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وقُرْآنَ الفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ} [الإسراء: 78]. وقد غير أسلوب تعلُّق بوقت الفجر، فلم يقل: أقم صلاة لدلوك الشمس إلى الفجر، بل جمع أوقات أربع صلوات في قوله: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78]، ثم أفرد وقت الفجر؛ لأنه إمَّا أراد به وقت الفجر، أو الوقت الذي يليه الفجر.
كان غالب لباس الرجال العرب ثوبين، غير مخيطين، فإن اسم الثوب إنما يراد به: القطعة المنسوجة. فلِباسهم: إزار وهو شقة من المنسوج تلف على النصف الأسفل، ورداء وهو شقَّة مثلها تلف على الكتفين والصدر. فإذا قالوا: لفلان ثوبٍ واحد، فمرادهم: أنه الإزار× إذ هم لا يلبسون الرجاء بدون إزار. وأمَّا نحو: القميص، والجبَّة للرجل، والدرع للمرأة، فلا يسمَّى ثوبًا، وهو لباس الخاصة وأهل الترف، فإذا صلى المصلي في إزار فقط بقي نصفه الأعلى عريانًا، وهو منظر غير لائق بحالة الصلاة، فكانت السنة أن يصلي المصلَِي مستور الظهر، ولكن كثيرًا من الناس لا يجد ثوبين، فرخَّص لهم الصلاة في الثوب الواحد بأن يجعلوه على الكتفين على كيفية لا تنكشف معها العورة، وهي الاشتمال: وهو التوشُّح بالثوب ليقر في مكانه، فلا يتدلَّى بتكرُّر الحركة. وقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض الصلوات كذلك في بيته. وهو محمل حديق عُمر بن أبي سلمة، ومحمل فعل أبي هريرة، وقد بيَّن ذلك كله حديث جابر في هذا الباب. وقد ورد في الحديث أن النساء في صلاة الجماعة كنَّ يؤمرن أن لا يرفعن رؤوسهن من السجود حتى يجلس الرجال؛ لقصر أثواب بعض الرجال. وبهذا يعلم أنَّ المراد من الرخصة أنها الحالة التي لا يجد فيها المصلي ثوبين، وأن ذلك في الثوب دون نحو القميص والجبة. ولهذه النكتة أخرج مالك حديث ربيعة بن أبي