رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا لم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا شِئْت " فَرمى سكينه، وَرجع إِلَى قومه فأهراق مَا عِنْده، وَمضى إِلَى الْمَدِينَة فَلَزِمَ مَالك بن أنس، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَصْرَة وَقد مَاتَ شُعْبَة، فَمَا سمع مِنْهُ غير هَذَا الحَدِيث. هَكَذَا رُوِيَ لنا فِي كَون القعْنبِي لم يسمع من شُعْبَة غير هَذَا. [15] وَقد رُوِيَ لنا مَا هُوَ أشبه: وَهُوَ أَن القعْنبِي قدم الْبَصْرَة ليسمع من شُعْبَة وَيكثر، فصادف مَجْلِسه يَوْم قدومه قد انْقَضى وَانْصَرف إِلَى منزله، فجَاء فَوجدَ الْبَاب مَفْتُوحًا وَشعْبَة على البالوعة، فَدخل من غير اسْتِئْذَان وَقَالَ: أَنا غَرِيب، قصدت من بلد بعيد لتحدثني. فاستعظم شُعْبَة ذَلِك وَقَالَ: دخلت بَيْتِي بِغَيْر إذني، وتكلمني على هَذِه الْحَالة، اكْتُبْ: حَدثنَا مَنْصُور ... فَذكر لَهُ الحَدِيث ثمَّ قَالَ: وَالله لَا حدثتك غَيره، وَلَا حدثت قوما أَنْت مَعَهم. [15] وَقَوله: " من كَلَام النُّبُوَّة الأولى " الْمَعْنى: أَن الْحيَاء لم يزل ممدوحا على ألسن الْأَنْبِيَاء الْأَوَّلين، ومأمورا بِهِ لم ينْسَخ فِي شرع. [15] وَفِي قَوْله: " إِذا لم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا شِئْت " ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَنه بِمَعْنى الْخَبَر وَإِن كَانَ لَفظه لفظ الْأَمر، كَقَوْلِه: " فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار " فَيكون الْمَعْنى: إِذا لم يمنعك الْحيَاء صنعت مَا شِئْت، وَهَذَا على جِهَة الذَّم لترك الْحيَاء، وَهَذَا قَول أبي عبيد. وَالثَّانِي: أَنه وَعِيد