فَكتب الْأَخْنَس بن شريق وأزهر بن عبد عَوْف إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتابا، فِيهِ أَن يردهُ إِلَيْهِم على مَا اصْطَلحُوا عَلَيْهِ، وبعثاه مَعَ خُنَيْس بن جَابر، فَخرج خُنَيْس وَمَعَهُ مَوْلَاهُ كوثر، فَدفعهُ إِلَيْهِمَا فَخَرَجَا بِهِ، فَلَمَّا كَانُوا بِذِي الحليفة عدا أَبُو بَصِير على خُنَيْس فَقتله، وهرب كوثر حَتَّى قدم الْمَدِينَة، فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرجع أَبُو بَصِير فَقَالَ: وفت ذِمَّتك يَا رَسُول الله، دفعتني إِلَيْهِم فَخَشِيت أَن يفتنوني عَن ديني فامتنعت، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكوثر: " خُذْهُ فَاذْهَبْ بِهِ " فَقَالَ: أَخَاف أَن يقتلني، فَتَركه وَرجع إِلَى مَكَّة، فَأخْبر قُريْشًا، وَخرج أَبُو بَصِير إِلَى الْعيص فَنزل نَاحيَة على طَرِيق عير قُرَيْش إِلَى الشَّام، فَجعل من بِمَكَّة من المحبوسين يَتَسَلَّلُونَ إِلَى أبي بَصِير، فَاجْتمع عِنْده مِنْهُم قريب من سبعين، مِنْهُم أَبُو جندل والوليد ابْن الْوَلِيد، فَجعلُوا لَا يظفرون بِأحد من قُرَيْش إِلَّا قَتَلُوهُ، وَلَا بعير لَهُم إِلَّا اقتطعوها، وكتبت قُرَيْش إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسألونه بأرحامهم إِلَّا أَدخل أَبَا بَصِير وَأَصْحَابه إِلَيْهِ فَلَا حَاجَة لنا بهم، فَكتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أبي بَصِير أَن يقدم عَلَيْهِ مَعَ أَصْحَابه، فَجَاءَهُ الْكتاب وَهُوَ يَمُوت، فَجعل يقرأه ويقبله ويضعه على عَيْنَيْهِ، فَمَاتَ وَهُوَ فِي يَده، فَغسله أَصْحَابه وصلوا عَلَيْهِ ودفنوه هُنَاكَ، ثمَّ قدمُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبروه، فترحم عَلَيْهِ.
فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ حسن أَن يرد مُسلما إِلَى الْكفَّار؟ فَالْجَوَاب: أَن أَبَا بَصِير هَذَا كَانَت لَهُ عشيرة وموال يَذبُّونَ عَنهُ، ثمَّ غَايَة مَا يحملونه عَلَيْهِ التَّكَلُّم بالْكفْر، وَذَلِكَ جَائِز على جِهَة التقية على مَا بَينا فِي قصَّة أبي جندل فِي مُسْند سهل بن حنيف.