فِي كتابي الْمُسَمّى بالتلقيح.
وَقَوله: وَرَأَيْت هَدْيه: أَي سمته وطريقته.
وَقَوله: جلد رَسُول الله أَرْبَعِينَ، وَأَبُو بكر أَرْبَعِينَ، وَعمر ثَمَانِينَ، وكل سنة.
فِي هَذَا إِشْكَال: وَهُوَ أَن يُقَال: كَيفَ يجوز أَن يَجْعَل فعل الصَّحَابِيّ سنة؟ وَكَيف سَاوَى بَين الْأَرْبَعين والثمانين؟
فَالْجَوَاب: أَنه سَيَأْتِي فِي مُسْند أنس: أَن رَسُول الله جلد بجريد النّخل نَحْو أَرْبَعِينَ، وَفعله أَبُو بكر، فَلَمَّا كَانَ عمر اسْتَشَارَ النَّاس، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: أخف الْحُدُود ثَمَانُون، فَأمر بِهِ عمر.
وَبَيَان ذَلِك أَن رَسُول الله لم يحد فِي ذَلِك حدا يرجع إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مَقْصُوده التَّأْدِيب والردع، فاتفق أَنه جلد نَحْو الْأَرْبَعين، فَلَمَّا تتايع النَّاس فِي شرب الْخمر رأى عمر الزِّيَادَة فِي الردع، وأصل الردع مسنون، فَكَذَلِك فَرعه، ثمَّ إِنَّمَا أطلقهُ بِعَدَد مَشْرُوع وَلم يقف بِرَأْيهِ على عدد، فَلذَلِك قَالَ عَليّ: وكل سنة.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: قَول عَليّ عِنْد الْأَرْبَعين: حَسبك، دَلِيل على أَن أصل الْحَد فِي الْخمر إِنَّمَا هُوَ أَرْبَعُونَ، وَمَا وَرَاءه تَعْزِير، وَللْإِمَام أَن يزِيد فِي الْعقُوبَة إِذا أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى ذَلِك. وَلَو كَانَت الثَّمَانُونَ حدا مَا كَانَ لأحد فِيهِ الْخِيَار. قَالَ: وَقَوله: وكل سنة؛ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " اقتدوا بالذين من بعدِي: أبي بكر وَعمر ".