القطع بأنهما لم يتلاقيا طرفة عين، ويُلحق الولدَ بأُمّينِ، مع القطع بأنه ليس ابنًا لإحداهما، ونحن إنّما ألحقنا الولد بقول القائف المستند إلى الشبه المعتبر شرعًا وقدرًا، فهو إسناد إلى ظنٍ غالب، ورأيٍ راجح، وأمارة بقول من هو من أهل الخبرة، فهو أولى بالقبول من قول غيرهم، وهل ينكر مجيء كثير من الأحكام مستندًا إلى الأمارات الظاهرة، والظنون الغالبة؟ وأما وجود الشبه بين الأجانب، وانتفاؤه بين الأقارب وإن كان واقعًا، فهو نادر قليل، والحكم للغالب الكثير، وأما النادر، فهو في حكم المعدوم.
وأما قضية من ولدت امرأتُه غلامًا أسود، فحجّةٌ عليكم؛ لأنها دليل على أن العادة التي فطر الله الناس عليها اعتبارُ الشبه، وأن خلافه يوجب ريبة، وأنّ في طباع الخلق إنكار ذلك، ولكن لما عارض ذلك دليلٌ أقوى منه، وهو الفراش، كان الحكم للدليل القوي، وكذلك نقول نحن وسائر النّاس: الفراش الصحيح إذا كان قائمًا، فلا يعارض بقافة ولا شبه، فمخالفة ظاهر الشبه لدليل أقوى منه، وهو الفراش، غير مستنكر، وإن المستنكر مخالفة هذا الدليل الظاهر لغير شيء.
وأما تقديم اللعان على الشبه، وإلغاء الشبه مع وجوده، فكذلك -أيضًا- هو من تقديم أقوى الدليلين على أضعفهما، وذلك لا يمنع العمل بالشبه مع عدم ما يعارضه، كالبينة تقدم على اليد والبراءة الأصلية، ويعمل بها عند عدمها.
وأما ثبوت نسب أسامة بن زيد بدون القيافة، فنحن لم نثبت نسبه بالقيافة، والقيافة دليلٌ آخر موافق لدليل الفراش، فسرورُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفرحُه بها، واستبشارُه، لتعاضد أدلة النسب وتظافرها، لا لإثبات النسب بقول القائف وحده، بل هو من باب الفرح بظهور أعلام الحق وأدلته وتكاثرها،