قال في "الهدي": هذا تصرف مخالف للنص، والمعنى، وأحكام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تفرق بين السود والبيض، كما لا يفرق بين الطوال والقصار، ومثل هذا القياس والرأي الفاسد الذي اشتد إنكار السلف له وذمهم إياه.
قال: وأما جمهور العلماء، وأحمد، والشّافعيّ، وأبو حنيفة وأصحابهم، قالوا: إن اضطرت إلى الكحل تداويًا لا زينة، فلها أن تكتحل به ليلًا، وتمسحه نهارًا، لحديث أم سلمة المذكور، وقد ذكره الإمام مالك في "موطئه" بلاغًا (?)، وذكر أبو عمر بنُ عبد البر في "التمهيد" له طرقًا يشد بعضها بعضًا (?)، ويكفي احتجاج الإمام مالك به، وأدخله أهل السنن في كتبهم، واحتج به الأئمة، وأقل درجاته أن يكون حسنًا، لكنه مخالف لظاهر حديثها المتفق عليه، فيحمل على أن الشّكاة التي لم يأذن في الاكتحال لأجلها لم تبلغ منها مبلغًا لابد لها فيه من الكحل، لذلك نهاها، ولو كانت محتاجة مضطرة تخاف ذهابَ بصرها، لأذن لها في ذلك كما فعل بالتي قال لها: "اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار".
قال في "الهدي": والنظر يشهد لهذا التأويل؛ لأن الضرورات تنقل المحظورات إلى الإباحة في الأصوله، ولهذا جعل الإمام مالك فتوى أم سلمة تفسيرًا للحديث المسند في الكحل؛ لأن أم سلمة روته، وما كانت لتخالفه إذا صح عندها، وهي أعلم بتأويله، والنظر يشهد لذلك (?)، ويأتي له تتمة في الحديث الاتي إن شاء الله -تعالى- (ولا تمسّ) المرأةُ المتوفَّى