وعند الإمام أحمد، ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها -: وكان الناس يتصدّقون عليها، أي: على بريرة، فتهدي لنا (?).
(فقال) - صلى الله عليه وسلم -: (هو) أي: اللحم المتصدَّق به (عليها صدقة)، وفي لفظٍ: هوَ لها صدقة (وهو منها لنا هديّة)، والصدقة: منحة لثواب الآخرة، والهدية: تمليك الغير شيئًا تقرّبًا إليه، وإكرامًا له، ففي الصدقة نوع ذل للآخذ، فلذلك حرّمت الصدقة عليه - صلى الله عليه وسلم - دون الهديّة، وقيل: لأنّ الهديّة يُثاب عليها في الدنيا، فتزول المنّة، والصدقة يُراد بها ثواب الآخرة، فتبقى المنّة، ولا ينبغي لنبي أن يمنّ عليه غير الله.
وقال البيضاوي: إذا تصدّق على المحتاج بشيء، ملكه، وصار له كسائر ما يملكه، فله أن يهدي به إلى غيره، كما له أن يهدي من سائر أمواله، بلا فرق (?).
قال في "الهدي": وفي أكله - صلى الله عليه وسلم - من اللحم الذي تُصدّق به على بريرة، وقال: "هو عليها صدقة، ولنا هديّة" دليلٌ على جواز أكل الغني، وبني هاشم، وكلّ من يحرم عليه الصدقةُ بما يهديه إليه الفقير من الصدقة، لاختلاف جهة المأكول، ولأنه قد بلغ محله، وكذلك يجوز له أن يشتريه منه بماله، هذا إذا لم تكن صدقته نفسه، فإن كانت صدقته، لم يجز له أن يشتريها، ولا يهبها، ولا يقبلها هديّة، كما نَهَى - صلى الله عليه وسلم - عمرَ - رضي الله عنه - عن شراء صدقته، فقال: "لا تشترها ولو أعطاكها بدرهم" (?)، انتهى.