فأخذوا زيدًا فباعوه وهو ابن ثمان سنين، وأمُّ زيد سعدى بنت ثعلبةَ من بني معن من طيٍّ، فوافوا به بعد سَبْيِه سوقَ عكاظ، فاشتراه حكيمُ بنُ حزامِ بنِ خُويلدٍ لعمّته خديجةَ أمِّ المؤمنين - رضي الله عنهما - بأربع مئة درهم، فلما تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهبته له، فقبضه، وكان أبوه حارثةُ قال حين فقده: [من الطَّويل]
بَكَيْتُ عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ أَدْرِ مَا فَعَلْ ... أَحَيٌّ فَيُرْجَى أَمْ أَتَى دُونَهُ الأَجَلْ
فَوَ اللهِ مَا أَدْرِي وَإِنْ كُنْتُ سَائِلًا ... أَغَالَكَ سَهْلُ الأَرْض أَمْ غَالَكَ الجَبَلْ
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لَكَ الدَّهْرَ رَجْعَةٌ ... فَحَسْبِي مِنَ الدُّنْيَا رُجُوعُكَ لَوْ بَجَلْ
تُذَكِّرُنِيهِ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا ... ويعْرِضُ ذِكْرَاهُ إِذَا قَارَبَ الطَّفَلْ
وَإِنْ هَبَّتِ الأَرْوَاحُ هَيَّجْنَ ذِكْرَهُ ... فَيَا طُولَ مَا حُزْنِي عَلَيْهِ وَيَا وَجَلْ
سَأُعْمِلُ نَصَّ الِعيسِ فِي الأَرْضِ جَاهِدًا ... وَلا أَسْأَمُ التَّطْوَافَ أَوْ تَسْأَمَ الإِبِلْ
حَيَاتِيَ أَوْ تَأْتِي عَلَيَّ مَنِيَّتِي ... وَكُلُّ امْرِىءٍ فَانٍ وَإِنْ غَرَّهُ الأَمَلْ
وَأُوصِي بِهِ قَيْسًا وَعَمْرًا كِلَيْهِما ... وَأُوصِي يَزِيدًا ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ جَبَلْ
يعني: جبلةَ بنَ حارثة أخا زيد، ويزيدُ هو أخو زيدٍ لأمه.
قال الحافظ ابنُ الجوزي في "منتخب المنتخب": فحجّ ناسٌ من كعب، فرأوا زيدًا، فعرفوه وعرفهم، فقال: أبلغوا أهلي هذه الأبيات، فإني أعلم أنهم قد حرقوا عليَّ، فقال: [من الطويل]
أُبَكِّي إِلَى قَوْمِي وَإِنْ كُنْتُ نائِيًا ... بِأَنِّيَ قَطينُ البَيْتِ عِنْدَ المَشَاعِرِ
فَكُفُّوا عَنِ الوَجْدِ الَّذِي قَدْ شَجَاكُمُ ... وَلا تُعْمِلُوا فِي الأَرْضِ نَصَّ الأَباعِرِ
فَإِنِّي بِحَمْدِ اللهِ فِي خَيْرِ أُسْرَةٍ ... كِرَامِ مَعَدٍّ كابِرًا بَعْدَ كابِرِ
فانطلقوا فأعلموا أباه، فخرج حارثةُ وكعبٌ ابنا شَراحيلَ بفدائه، فدخلا