يهابونه، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وكان خيراً جواداً، لا يقتني شيئاً من الأمتعة والأسباب الدنيوية سوى كتب العلم، فإنه كان حريصاً على جمعها، ويقول دائماً: أنا فقير من الكتب العلمية، وكان كل ما يدخل إلى يده من الدنيا ينفقه، وعاش مدة عمره في بلده عزيزاً موقراً محتشماً (?).
ومن تواضعه - رحمه الله - ما قاله عن نفسه لما استجازه الشيخُ عبدُ القادر بنُ خليل، فقال: "ولو رأى من استجازه وحقق حلاه، لقال: تسمعَ بالمعيديِّ خيرٌ من أن تراه، ولو استنصحني عن نفسي، واستفسرني عن رأيي وحدسي، لقلت له عن حالي: لقد استسمَنْتَ ذا ورم، ونَفَخْتْ من غير ذي ضَرَم .. ، بضاعتي مُزجاة، وصناعتي مقلاة، ما حل من التضلع من معادن العلوم الدقيقة" (?).
ومن عجيب ما جرى للإمام السفاريني - رحمه الله - مما يدل على حسن أدبه وتواضعه، ما ساقه في "إجازته للزبيدي"، فقال: ومن مشايخي الذين أخذتُ عنهم: الشيخُ موسى المحاسني ... ، ولكني لم أستجزه، لأمر حدث منه، وهو أن بعض الوُشاة أنهى إليه أني سُئلت: من أفضل: الشيخ المنيني، أو الشيخ المحاسني؟ فزعم الواشون أني فضَّلتُ المنيني عليه، فكتب لي بهذه الأبيات: [من الكامل]
لا تَزْدَرِ العلماءَ بالأشعارِ ... وتَحُطَّ قَدراً من أُولي المِقْدارِ
أتظنُّ سَفَّارينَ تُخرجُ عالِماً ... يُنْشِي القريضَ بدقَّةِ الأنظارِ
هلَّا أخذتَ على الشيوخ تَأَدُّباً ... كي ترتَقي دَرَج العُلا بفَخارِ
واللِّينُ منك لاحَ في مرآتِه ... لا زِلْتَ تكشِفُ مُشْكِلَ الأخبارِ