قال الحافظ الضياء: ثم إن الحافظ ضاق صدرُه، فخرج من "دمشق"، ومضى إلى "بعلبك"، فأقام بها مدة يقرأ الحديث، ثم توجه إلى مصر، ولم يعلم أصحابُنا بسفره، فبقي مدة في "نابلس" يقرأ الحديث، قال الضياء: وهذا ما سمعته من أصحابنا، وكنت أنا بمصر، ثم ارتحل إلى مصر.

وقال الحافظ أبو موسى - ولد الحافظ عبد الغني -: مرض والدي - رحمه الله تعالى - في ربيع الأول سنة ست مئة مرضاً شديداً منعه من الكلام والقيام، واشتد به مدة ستةَ عشرَ يوماً، قال: وكنت كثيراً ما أسأله: ما تشتهي؟ فيقول: أشتهي الجنة - رحمه الله - لا يزيد على ذلك، فلما كان يوم الإثنين، جئت إليه، وكان عادتي أبعث من يأتي كل يوم بكرةَ النهار بماء حار من الحمام، يغسل به أطرافه، فلما جئنا بالماء على العادة، مد يدَه، فعرفنا أنه يريد الوضوء، فوضأْته وقت صلاة الفجر، ثم قال: يا عبد الله! قم فصل بنا وخفف، فقمتُ فصليتُ بالجماعة، وصلى معنا جالساً، فلما انصرفَ الناس، جئتُ فجلست عند رأسه، وقد استقبلَ القبلةَ، فقال لي: اقرأ عندَ رأسي سورة يس, فقرأتُها، فجعل يدعو الله وأنا أُؤَمن، فقلتُ: هاهنا دواءٌ قد عملناه تشربُه، فقال: يا بني! ما بقي إلا الموتُ، فقلت: ما تشتهي شيئاً؟ قال: أشتهي النظرَ إلى وجه الله - تعالى -، قلت: ما أنتَ عني راضٍ؟ قال: بلى واللهِ أنا عنكَ راضٍ وعن إخوتِك، وقد أجزتُ لك ولإخوتك ولابن أخيك إبراهيمَ.

قال الحافظ الضياء: وسمعتُ أبا موسى يقول: أوصاني أبي عند موته: لا تضيعوا هذا العلمَ الذي تعبْنا عليه -يعني: الحديث- فقلتُ: ما توصي بشيء؟ قال: ما لي على أحدٍ شيءٌ، قلت: توصيني بوصية؟ قال: يا بني! أوصيك بتقوى الله، والمحافظةِ على طاعته، فجاء جماعةٌ يعودونه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015