السواك كثيراً، حتى كأن أسنانه البَرَدُ، وكان قد وضعَ الله له الهيبةَ في قلوب الخلق.
ذكروا أن الحافظ لما دخل على الملك العادل في مصر، قام له، فلما كان اليومُ الثاني من دخوله عليه، إذ الأمراءُ قد جاؤوا إلى الحافظ، فقالوا: آمنا بكراماتِك يا حافظُ، وذكروا أن العادل قال: ما خِفْتُ من أحد ما خفتُ من هذا، فقلنا: أيها الملك! هذا رجل فقيهٌ أَيش خفتَ من هذا؟ قال: لما دخل، ما خُيل إلي إلا أنه سَبُعٌ يريدُ أن يأكلَني، فقلتُ: هذه كرامةٌ للحافظ. قال الحافظ الضياء: وما أعرف أحداً من أهل السنة رأى الحافظَ إلا أحبه حباً شديداً، ومدحَه مدحاً كثيراً.
قال أبو الثناء محمودُ بنُ سلامةَ الحراني: كان الحافظ بأصبهانَ، فيصطف الناسُ في السوق فينظرون إليه، وقال: لو أقام الحافظُ بأصبهانَ مدةً، وأراد أن يملكَها، لَمَلَكها، يعني: من حبهم له، ورغبتِهم فيه.
قال الحافظ الضياءُ: ولما وصلَ إلى مصرَ أخيراً، كنا بها، وكان إذا خرج يومَ الجمعة إلى الجامع لا نقدرُ نمشي معه من كثرة الخلق، يتبركون به، ويجتمعون حوله.
قال الحافظ الضياء: كان الحافظُ عبدُ الغني ليس بالأبيضِ الأمهق، بل يميل إلى السمرة، حسنَ الشعر، كَثَّ اللحية، واسعَ الجبين، عظيمَ الخَلْق، تامَّ القامة، كأن النورَ يخرج من وجهه، وكان قد ضعُف بصرُه من كثرة البكاء والنسخ والمطالعة، وكان حسنَ الخُلُق، رأيتُه وقد ضاقَ صدرُ بعض أصحابِه في مجلسه وغضبَ، فجاء إلى بيته، وترضاه وطيب قلبَه، وكان سخياً جواداً كريماً، لا يدخر ديناراً ولا درهماً، ومهما حصل له أخرجَه.
قال الإمام الموفق عنه: كان جواداً يُؤثر بما تصلُ إليه يده سراً وعلانيةً.