والآكام، فصلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، وأنصاره وأضرابه وأصهاره وأحبابه، ما شفى ترياقُ الهدى مريض الهوى، وانمحقَ بمصابيح الاهتداء غياهب الظلام.
أما بعد:
فهذا شرح لطيف على "عمدة الأحكام"، تصنيف الإمام الحافظ المتقن العلامة الهمام محيي السنة أبي عبد الله عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي المقدام، سألنيه بعض أصحابي بعد قراءته لها عليَّ مع جماعة من ذوي الأفهام، فتعللْتُ بأنها قد شرحها جماعةٌ من الأئمة الأعلام؛ كالإمام تقي الدين بن دقيق العيد، والعلامة ابن الملقن، وغيرِهما من كل حافظ قَمْقام، فما عُبوري بين تلك البحور بهذه البلالة التي لا تطفىء صَدى الأُوام، وما ظهوري بين تلك الشموس بهذه الدُّبالة التي لا ظهورَ لها إلا في حَنادِس الفحام، وهل أنا إلا مثلُ جالب جزيرة من البقل في سوق الجواهر والعطر، وكالأبكم العجمي يبدي فصاحة لدى العرب العرباء من ضِئْضِئ النَّضْر.
ثم إني أعلم أن معالم العلم قد انطمست، ومآثر الفهم قد اندرست، وشموس الفضل قد غَرَبَتْ، وكواكب النقل قد أَفَلَتْ، ولم يبق من العلوم إلا اسمُها، ولا من الفهوم إلا رسمُها، وربع العلم المأهولُ أصبح خالياً، وغصنُه اليانع أمسى ذاوياً، وواديه صَوَّحَ قَشيبهُ، وذوى رطيبُه، ويبس يانعُه، ودرس جامعُه، وقد مشت يدُ الضياع على العلم وحَمَلَتِه، وعلى الفضلِ وَنَقَلَتِه، فلا زمان مسعد، ولا سلطان مساعد، ولا ماجدٌ مُنجد، ولا كريمٌ من الإخوان مُعاضِد.
وليت شعري هل شرحي لهذا الكتاب في هذا العصر، إلا مثلُ من فتح حانوته ليبيع سِلَعه بعد العصر؟!