اخْتلف الْعلمَاء فِي زِيَارَة النِّسَاء للقبور على ثَلَاثَة أَقْوَال: وَهِي ثَلَاث رِوَايَات عَن الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله:
أَولا: الْكَرَاهَة من غير تَحْرِيم كَمَا هُوَ مَنْصُوص الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله فِي إِحْدَى الرِّوَايَات عَنهُ، وَاسْتدلَّ لَهُ بِحَدِيث أم عَطِيَّة الْمُتَّفق عَلَيْهِ "نهينَا عَن اتِّبَاع الْجَنَائِز وَلم يعزم علينا" وَإِلَيْهِ ذهب أَكثر الشَّافِعِيَّة وَبَعض الْحَنَفِيَّة.
ثَانِيًا: أَنَّهَا مُبَاحَة لَهُنَّ غير مَكْرُوهَة، وَبِه قَالَ أَكثر الْحَنَفِيَّة والمالكية وَهُوَ الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى. وَاسْتدلَّ لَهُ بِحَدِيث مُسلم عَن بُرَيْدَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: "كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور فزوروها". وَبِحَدِيث عَائِشَة فِي زِيَارَة أَخِيهَا عبد الرَّحْمَن؛ وبحديثها أَيْضا عِنْد مُسلم "مَا أَقُول لَهُم؟ قَالَ قولي" الحَدِيث. وَبِحَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ "مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِامْرَأَة تبكى عِنْد قبر" الحَدِيث.
ثَالِثا: التَّحْرِيم لأحاديث اللَّعْن وَغَيرهَا مِمَّا يعضدها وَهُوَ مَذْهَب بعض الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة، وَإِلَيْهِ ذهب أَكثر أهل الحَدِيث وَهُوَ الرِّوَايَة الثَّالِثَة عَن الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله. كَمَا حَكَاهَا الْعَلامَة عَليّ بن سُلَيْمَان المرداوي فِي كِتَابه (الْإِنْصَاف فِي معرفَة الرَّاجِح من الْخلاف على مَذْهَب الإِمَام المبجل أَحْمد بن حَنْبَل) قَالَ مَا نَصه: "وَعنهُ أَي عَن الإِمَام أَحْمد رِوَايَة ثَالِثَة: يحرم كَمَا لَو علمت بِأَنَّهُ يَقع مِنْهَا محرم، ذكره الْمجد وَاخْتَارَ هَذِه الرِّوَايَة بعض الْأَصْحَاب، وحكاها ابْن تَمِيم وَجها. اهـ
قلت: وَهُوَ اخْتِيَار شيخ الْإِسْلَام أبي الْعَبَّاس بن تَيْمِية وتلميذه الْعَلامَة ابْن الْقيم وَالنَّوَوِيّ فِي مَجْمُوعه وَالشَّيْخ المجدد مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب وَكثير من أَئِمَّة التَّحْقِيق الْآتِي ذكر أَقْوَالهم بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى.