على عوده الرطيب ورنده، وباح العاشق الكئيب بما يكابده من هوى زينبه وهنده، وهام في فلوات خلواته طرباً بما سمعه عن طيب نجده، وفرَّ هارباً إلى من يعلم خفايا ما أبداه وما لم يُبده، فالعارف من شكر سوابغ النغم، واحتقر معادن الحكم، ولم يقنه من اللبن إلا بزبده، وعلم أن الله تعالى ما أحدث حدثاً، وأهمله عبثاً، بل كلّ واقف عند حّده، باقٍ على حفظ عهده، مقرٌّ بتصديق وعيده ووعده (وَإِن مِّن شَيْءِ إِلاَّ يُسَبَّحُ بِحَمْدِهِ) أحمده على كل حال وأسأله توفيق حمده، وأُصلي على سدينا محمد رسوله وعبده، الذي أنزل عليه في مُحكم كتابه العزيز مخبراً برفيع مجده (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ..) صلى الله عليه وآله وصحبه وعشيرته وجنده.
أما بعد: فإني نظرت بعين التحقيق، ورأيتُ بنور التصديق والتوفيق، أن كل مخلوق مقر بوجود الخالق، وكل صامت في الحقيقة ناطق، فاستعربت الإشارات، واستقرأت العبارات، فرأيت كلا ناطقاً بلسان حاله ولسان قاله، لكنّي رأيت لسان الحال أفصح من لسان القال، وأصدق من كل مقال، لأن لسان الخبر يحتمل التكذيب والتصديق،