وَعَمَلُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي هَذَا الْبَابِ وَمُنَاظَرَتُهُمْ وَمُشَاوَرَتُهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ مُمَيِّزٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يُعْتَقْ جَمِيعُ عَبِيدِهِ السُّودِ.
وَكَذَا لَوْ تَمَلَّكَ بِمُؤَثِّرٍ بِأَنْ قَالَ: أَعْتَقْت غَانِمًا لِحُسْنِ خُلُقِهِ لَمْ يَلْزَمْ عِتْقُ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَحْسَنَ خُلُقًا مِنْهُ قُلْنَا بَلْ التَّمَسُّكُ صَحِيحٌ؛ فَإِنَّ فَائِدَةَ التَّعْلِيلِ بَيَانُ كَوْنِ الْعِلَّةِ بَاعِثَةً عَلَى الْحُكْمِ وَمُؤَثِّرَةً فِيهِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ إلْحَاقُ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ بِالْمَنْصُوصِ عِنْدَ اشْتِرَاكِهَا فِي الْعِلَّةِ لَأَدَّى إلَى تَخَلُّفِ الْأَثَرِ عَنْ الْمُؤَثِّرِ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَخَلَا ذِكْرُهُ عَنْ الْفَائِدَةِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَعْتَقْت غَانِمًا لِسَوَادِهِ أَوْ لِحُسْنِ خُلُقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ التَّعْلِيلِ فِي الْعِتْقِ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ كَعَدَمِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَ أَحْكَامَ الْأَمْلَاكِ حُصُولًا وَزَوَالًا بِالْأَلْفَاظِ دُونَ الْإِرَادَاتِ الْمُجَرَّدَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَعْتَقْت أَوْ طَلَّقْت غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ يَثْبُتُ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ، وَلَوْ نَوَى عِتْقًا أَوْ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ فَأَمَّا أَحْكَامُ الشَّرْعِ فَتَثْبُتُ بِكُلِّ مَا دَلَّ عَلَى رِضَا الشَّارِعِ وَإِرَادَتِهِ مِنْ قَرِينَةٍ وَدَلَالَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَفْظًا.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ أَحَدًا لَوْ بَاعَ مَالَ التَّاجِرِ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ بِضِعْفِ ثَمَنِهِ وَظَهَرَ أَثَرُ الْفَرَحِ عَلَيْهِ لَمْ يَنْفُذْ الْبَيْعُ إلَّا بِتَلَفُّظِهِ بِالْإِجَازَةِ وَلَوْ جَرَى بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلٌ فَسَكَتَ دَلَّ سُكُوتُهُ عَلَى رِضَاهُ وَيَثْبُتُ الْحُكْمُ بِهِ.
قَوْلُهُ (وَعَمَلُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ) إشَارَةٌ إلَى مُتَمَسَّكٍ آخَرَ عَوَّلَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ، وَهُوَ الْإِجْمَاعُ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَمِلُوا بِالْقِيَاسِ وَشَاعَ وَذَاعَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ رَدٍّ وَإِنْكَارٍ مِثْلُ مَا اُشْتُهِرَ مِنْ مُنَاظَرَتِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ وَمَسْأَلَةِ الْعَوْلِ وَالْمُشْتَرَكَةِ وَمِيرَاثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَغَيْرِهَا بِالرَّأْيِ وَاحْتِجَاجِهِمْ فِيهَا بِالْقِيَاسِ وَمِثْلُ مُشَاوَرَتِهِمْ فِي أَمْرِ الْخِلَافَةِ؛ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ تَكَلَّمَ فِيهِ بِرَأْيِهِ إلَى أَنْ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِطَرِيقِ الْمُقَايَسَةِ وَالرَّأْيِ حَيْثُ قَالَ: أَلَا تَرْضَوْنَ لِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ بِمَنْ رَضِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ لِأَمْرِ دِينِكُمْ فَاتَّفَقُوا عَلَى رَأْيِهِ وَأَمْرُ الْخِلَافَةِ مِنْ أَهَمِّ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الشَّرْعِ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ فِيهِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ.
وَكَذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ أَمْرَ الْخِلَافَةِ شُورَى بَيْنَ سِتَّةِ نَفَرٍ فَاتَّفَقُوا بِالرَّأْيِ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا الْأَمْرَ فِي التَّعْيِينِ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدَمَا أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْهَا فَعُرِضَ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ: أَعْمَلُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، ثُمَّ أَجْتَهِدُ رَأْيِي، وَعُرِضَ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا الشَّرْطُ فَرَضِيَ بِهِ فَقَلَّدَهُ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَمَلًا بِالرَّأْيِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَحْسَنُوا سِيرَةَ الْعُمَرَيْنِ وَشَاوَرُوا فِي حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَحَدُّهُ حَدُّ الْمُفْتَرِينَ قَاسَ حَدَّ الشَّارِبِ عَلَى حَدِّ الْقَاذِفِ فَأَخَذُوا بِرَأْيِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَلَمَّا وَرَّثَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُمَّ الْأُمِّ دُونَ أُمِّ الْأَبِ قَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَقَدْ شَهِدَ بَدْرًا لَقَدْ وَرَّثْت امْرَأَةً لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتَةُ لَمْ يَرِثْهَا وَتَرَكْت امْرَأَةً لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتَةُ وَرِثَهَا فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إلَى التَّشْرِيكِ بَيْنَهُمَا فِي السُّدُسِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَلَالَةِ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي.
وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَقْضِي فِي الْجَدِّ بِرَأْيِي. وَلَمَّا سَمِعَ فِي الْجَنِينِ الْحَدِيثَ قَالَ: كِدْنَا أَنْ نَقْضِيَ فِيهِ بِرَأْيِنَا
وَقَضَى عُثْمَانُ بِتَوْرِيثِ الْمَبْتُوتَةِ بِالرَّأْيِ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ عَلَى حُرْمَةِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَقَدْ رَأَيْت الْآنَ أَنْ أُرِقَّهُنَّ، وَقَالَ