وَقَدْ رَوَيْنَا مَا هُوَ قِيَاسٌ بِنَفْسِهِ مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِيَاسِ وَنُفَاتُهُ كَانُوا يَشْتَغِلُونَ بِتَأْوِيلِهِ فَكَانَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا مِنْهُمْ عَلَى قَوْلِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: إنْ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ لَا نُسَلِّمُ كَوْنَهُ دَالًّا عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ إذْ الِاجْتِهَادُ لَيْسَ نَفْسَ الْقِيَاسِ لَا غَيْرَ بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِفْرَاغِ الْجَهْدِ فِي الطَّلَبِ فَيَحْمِلُهُ عَلَى طَلَبِ الْحُكْمِ مِنْ النُّصُوصِ الْخَفِيَّةِ أَوْ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْبَرَاءَةِ أَوْ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي عِلَّتُهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا أَوْ مُومَأٌ إلَيْهَا أَوْ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ إكْمَالِ الدِّينِ وَاسْتِقْرَارِ الشَّرْعِ لِوُقُوعِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ إذْ ذَاكَ فَأَمَّا بَعْدَ إكْمَالِ الدِّينِ وَاسْتِقْرَارِهِ فَلَا لِارْتِفَاعِ الْحَاجَةِ بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، إذْ الْإِكْمَالُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ اشْتِمَالِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى جَمِيعِ مَا لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ قُلْنَا لَا يَجُوزُ حَمْلُ الِاجْتِهَادِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالنُّصُوصِ الْخَفِيَّةِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ النَّصِّ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ جَلِيًّا كَانَ أَوْ خَفِيًّا فَتَخْصِيصُهُ بِالْجَلِيِّ دُونَ الْخَفِيِّ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ مُمْتَنِعٌ.
وَكَذَا لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ فَلَا حَاجَةَ فِي مَعْرِفَتِهَا إلَى الِاجْتِهَادِ وَلَا عَلَى مَا كَانَتْ عِلَّتُهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا سَكَتَ عِنْدَ قَوْلِهِ: أَجْتَهِدُ، لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ وَافٍ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْقِيَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَى عِلَّتِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَافِيًا بِمَعْرِفَةِ عُشْرِ عَشِيرِ الْأَحْكَامِ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ لَا يَسْكُتَ عَلَيْهِ كَمَا لَمْ يَسْكُتْ عِنْدَ قَوْلِهِ أَقْضِي بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْإِكْمَالِ؛ فَإِنَّ الْإِكْمَالَ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِبَيَانِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِلَا وَاسِطَةٍ وَبِوَاسِطَةٍ وَالْقِيَاسُ مِنْ الْوَسَائِطِ، ثُمَّ أَتَمَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالسُّنَّةِ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ رَوَيْنَا يَعْنِي حَدِيثَ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَجَازَ قِيَاسَ غَيْرِهِ.
وَقَدْ رَوَيْنَا فِي بَابِ تَقْسِيمِ السُّنَّةِ فِي حَقِّهِ مَا هُوَ قِيَاسٌ بِنَفْسِهِ مِثْلُ الْخَثْعَمِيَّةِ وَحَدِيثِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ وَغَيْرِهِمَا فَيَدُلُّ قَوْلُهُ وَفَعَلَهُ جَمِيعًا عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ وَكَلِمَةُ مَنْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِرِوَايَتِنَا وَأَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِقِيَاسٍ وَفِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ كَثْرَةٌ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا وَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا» حَكَمَ بِتَحْرِيمِ ثَمَنِهَا قِيَاسًا عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِهَا «وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَقَدْ سَأَلَتْ عَنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ هَلَّا أَخْبَرْتِيهِ أَنِّي أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ» تَنْبِيهًا عَلَى قِيَاسِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ. «وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ سُئِلَ عَنْ جَوَازِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ أَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ فَقِيلَ نَعَمْ فَقَالَ فَلَا إذَنْ» «وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مُحْرِمٍ وَقَصَتْ بِهِ نَاقَتُهُ لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا تُقْرِبُوهُ طِيبًا؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» «وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْدَاجُهُمْ تَشْخَبُ دَمًا» .
«وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْهِرَّةُ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ؛ فَإِنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ وَالطَّوَّافَاتِ عَلَيْكُمْ» «وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» «وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الصَّيْدِ فَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا يُؤْكَلُ لَعَلَّ الْمَاءَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَارِ الْمُخْتَلِفِ لَفْظُهَا الْمُتَّحِدِ مَعْنَاهَا فَنُزِّلَ جُمْلَتُهَا مَنْزِلَةَ الْمُتَوَاتِرِ وَإِنْ كَانَتْ آحَادُهَا آحَادًا.
فَإِنْ قِيلَ: لَا تَمَسُّكَ لَكُمْ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ؛ فَإِنَّ فِيهَا بَيَانَ تَعْلِيلِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ لَا بَيَانَ جَوَازِ الْقِيَاسِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَى الْعِلَّةِ جَوَازُ إلْحَاقِ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ بِهِ كَمَا لَوْ قَالَ الرَّجُلُ أَعْتَقْت غَانِمًا لِسَوَادِهِ