. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِدْلَال قُلْنَا: الِاسْتِدْلَال تَامٌّ فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْ الِاتِّبَاعِ فِي الْآيَةِ نَفْسُ الْمُوَافَقَةِ وَالسُّلُوكِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ فُلَانٌ يَتَّبِعُ السَّبِيلَ الْفُلَانِيَّ يُفْهَمُ مِنْهُ نَفْسُ السُّلُوكِ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَلَكَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى اتِّبَاعِ أَحَدٍ بَلْ لِشُبْهَةٍ صَرَفَتْهُ إلَيْهِ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْوَعِيدِ بِلَا خِلَافٍ.
وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ وَيَسْلُكُ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الِاتِّبَاعِ هَاهُنَا نَفْسُ السُّلُوكِ وَالْمُوَافَقَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ انْتَفَتْ الْوَاسِطَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْخَصْمُ وَلَزِمَ مِنْ حُرْمَةِ اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ لُزُومُ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ضَرُورَةً يُوَضِّحُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ وَتَرْكَ الصَّلَاةِ مَثَلًا غَيْرُ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِذَا حَرُمَ عَلَيْهِ شُرْبُ الْخَمْرِ وَتَرْكُ الصَّلَاة لَزِمَ عَلَيْهِ تَرْكُ الشُّرْب وَالتَّحَرُّزُ عَنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَهُمَا غَيْرُ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا فَيَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا ثُبُوتُ الْآخَرِ لَا مَحَالَةَ.
فَإِنْ قِيلَ: لَفْظُ السَّبِيلِ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ؛ فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ الطَّرِيقُ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ الْمَشْيُ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ مِنْهُ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْكَلَامِ، وَهُوَ الطَّرِيقُ الَّذِي صَارُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ، وَهُوَ الْإِيمَانُ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ وَتَكْذِيبُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ فَإِنَّ أَحَدًا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ لَا تَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الصَّالِحِينَ فُهِمَ مِنْهُ سَبِيلُهُمْ الَّذِي صَارُوا صَالِحِينَ لَا سَبِيلُهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ.
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقَ؛ فَإِنَّهُ سَرَقَ دِرْعًا وَالْتَحَقَ بِالْمُشْرِكِينَ مُرْتَدًّا فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} [النساء: 115] أَيْ يُخَالِفُهُ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى أَيْ ظَهَرَ لَهُ الدِّينُ الْحَقُّ {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] أَيْ غَيْرَ طَرِيقِهِمْ بِالِارْتِدَادِ كَمَا فَعَلَهُ طُعْمَةُ {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: 115] نَتْرُكُهُ وَمَا تَوَلَّى مِنْ وِلَايَةِ الشَّيْطَانِ وَقِيلَ: نَدَعْهُ وَمَا اخْتَارَ لِنَفْسِهِ مِنْ الدِّينِ غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ {وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} [النساء: 115] نُدْخِلْهُ فِيهَا كَذَا ذُكِرَ فِي التَّفَاسِيرِ، وَإِذَا حُمِلَ السَّبِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لَمْ تَبْقَ حُجَّةٌ فِي الْإِجْمَاعِ قُلْنَا.
الْأَصْلُ إجْرَاءُ الْكَلَامِ عَلَى عُمُومِهِ وَإِطْلَاقِهِ وَالسَّبِيلُ مُطْلَقٌ أَوْ عَامٌّ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُؤْمِنِينَ إذْ الْإِضَافَةُ بِمَنْزِلَةِ لَامِ التَّعْرِيفِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّعْمِيمِ فَتَقْتَضِي النَّصُّ بِعُمُومِهِ وَإِطْلَاقِهِ لُحُوقَ الْوَعِيدِ عِنْدَ تَرْكِ اتِّبَاعِ سَبِيلِهِمْ فِيمَا صَارُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ وَفِيمَا لَمْ يَصِيرُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لِأَحَدٍ اتَّبِعْ سَبِيلَ الْعُلَمَاءِ يَقْتَضِي أَنْ يَتَّبِعَ سَبِيلَهُمْ فِيمَا صَارُوا بِهِ عُلَمَاءَ وَفِيمَا لَمْ يَصِيرُوا بِهِ عُلَمَاءَ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِمُشَاقَّةِ الرَّسُولِ إلَّا تَرْكُ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِي صَارُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ فَلَوْ حَمَلْنَا السَّبِيلَ عَلَى ذَلِكَ لَزِمَ التَّكْرَارُ وَلَا يُعْتَنَى لِقَوْلِهِمْ نَزَلَ فِي رَجُلٍ مُرْتَدٍّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَتْ بِقَاطِعَةٍ فِي وُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِجْمَاعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] فِي مُتَابَعَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ مُنَاصَرَتِهِ أَوْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ أَوْ فِي الْإِيمَانِ بِهِ لَا فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ وَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِيهِ فَيَسْتَقِيمُ التَّمَسُّكُ بِهَا لِمَا يُرَى الْإِجْمَاعُ حُجَّةً ظَنِّيَّةً لَا يَكْفُرُ وَلَا يُفَسَّقُ مُخَالِفُهَا كَمَا هُوَ مُخْتَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَا لِمَنْ يَرَى أَنَّهُ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ يَكْفُرُ أَوْ يَفْسُقُ مُخَالِفُهَا؛ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْمُحْتَمَلِ الظَّنِّيِّ فِي مَقَامِ الْقَطْعِ غَيْرُ مُفِيدٍ وَأُجِيبَ عَنْهُ أَنَّ كُلَّ احْتِمَالٍ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِ الدَّلِيلِ قَطْعِيًّا؛ فَإِنَّ الِاحْتِمَالَ قَدْ تَطَرَّقَ إلَى جَمِيعِ الْعَقْلِيَّاتِ مِنْ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَغَيْرِهِمَا فَلَوْ اُعْتُبِرَ