إلَّا أَنَّ تَعْجِيلَ الْإِمْضَاءِ فِي الصَّدَقَةِ وَالْتِزَامَ الْغُرْمِ مِنْ عُمَرَ صِيَانَةٌ عَنْ الْقِيلِ وَالْقَالَ وَرِعَايَةٌ لِحُسْنِ الثَّنَاءِ وَبَسْطِ الْعَدْلِ كَانَ أَحْسَنَ فَحَلَّ السُّكُوتُ عَنْ مِثْلِهِ، وَبَعُدَ فَإِنَّ السُّكُوتَ بِشَرْطِ الصِّيَانَةِ عَنْ الْفَوْتِ جَائِزٌ تَعْظِيمًا لِلْفُتْيَا وَذَلِكَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَكَلَامُنَا فِي السُّكُوتِ الْمُطْلَقِ، فَأَمَّا حَدِيثُ الدِّرَّةِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ وَالْمُنَاظَرَةَ بَيْنَهُمْ أَشْهُرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَلْيَنَ لِلْحَقِّ وَأَشَدَّ انْقِيَادًا لَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ صَحَّ فَتَأْوِيلُهُ إيلَاءُ الْعُذْرِ فِي الْكَفِّ عَنْ مُنَاظَرَتِهِ بَعْدَ ثَبَاتِهِ عَلَى مَذْهَبِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَمَسِّكًا بِدَلِيلٍ يَصْلُحُ شُبْهَةً.
أَلَا تَرَى أَنَّ مُوجِبَ الْعَامِّ قَطْعِيٌّ عِنْدَنَا ثُمَّ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ لِتَمَسُّكِهِ بِمَا يَصْلُحُ شُبْهَةً ثُمَّ أَجَابَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَّا تَمَسَّكُوا بِهِ مِنْ الْآثَارِ فَقَالَ سُكُوتُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِيثِ الْقِسْمَةِ وَالْإِمْلَاصِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْحَسَنِ وَالْأَحْسَنِ لَا مِنْ بَابِ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ، فَإِنَّ الَّذِينَ أَفْتَوْا بِإِمْسَاكِ الْمَالِ فِي حَدِيثِ الْقِسْمَةِ وَبِأَنْ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى عُمَرَ فِي إمْلَاصِ الْمَرْأَةِ كَانَ حَسَنًا؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْمَالِ الْفَاضِلِ لِيُصْرَفَ إلَى نَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقِسْمَةِ عَلَيْهِمْ عِنْدَ نُزُولِهَا حَسَنٌ وَكَذَا الْحُكْمُ بِعَدَمِ لُزُومِ الْغُرَّةِ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ خِيَانَةٌ بِطَرِيقِ الْمُبَاشَرَةِ وَلَا بِطَرِيقِ التَّسْبِيبِ إلَّا أَنَّ أَيْ لَكِنَّ تَعْجِيلَ الْإِمْضَاءِ فِي الصَّدَقَةِ أَيْ تَعْجِيلَ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ وَسَمَّاهَا صَدَقَةً مَجَازًا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تَجِبُ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ وَيَتَوَلَّى الْإِمَامُ قِسْمَتَهَا كَالصَّدَقَاتِ وَأَكْثَرُ مَصَارِفِهَا مَصَارِفُ الصَّدَقَاتِ.
وَالْتِزَامُ الْغُرْمِ أَيْ غُرْمِ الْغُرَّةِ مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صِيَانَةً عَنْ الْقِيلِ وَالْقَالِ أَيْ لِأَجْلِ صِيَانَةِ النَّفْسِ عَنْ أَلْسُنِ النَّاسِ فَيَقُولُوا: إنَّهُ أَمْسَكَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَمَنَعَهَا عَنْ مُسْتَحَقِّهَا لِمَوْهُومٍ عَسَى لَا يَقَعُ وَخَوْفُ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ تَحَقَّقَتْ مِنْهَا حَتَّى أَمْلَصَتْ وَتَلِفَتْ نَفْسٌ بِذَلِكَ وَدُعَائِهِ أَيْ عَلَى نَفْسِهِ بِحُسْنِ الثَّنَاءِ أَيْ بِحُسْنِهِ وَبَسْطِ الْعَدْلِ كَانَ أَحْسَنَ وَأَقْرَبَ إلَى أَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَالْخُرُوجِ عَمَّا تَحَمَّلَ مِنْ الْعُهْدَةِ وَهُوَ كَتَأْخِيرِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ إلَى انْقِضَاءِ الْحَوْلِ يَكُونُ حَسَنًا وَتَعْجِيلُهُ قَبْلَ انْقِضَائِهِ يَكُونُ أَحْسَنَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ حَلَّ السُّكُوتُ عَنْ مِثْلِهِ وَلَا يَجِبُ إظْهَارُ الْخِلَافِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ بِمَعْزِلٍ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ إذْ الْكَلَامُ فِيمَا لَا يَجُوزُ السُّكُوتُ عَنْهُ بِحَالٍ إذَا كَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ وَبَعُدَ أَيْ بَعْدَمَا ذَكَرْنَا هَذَا الْجَوَابَ أَوْ بَعْدَمَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْحَسَنِ وَالْأَحْسَنِ وَكَانَ مِنْ جِنْسِ مَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهِ لَا يَدُلُّ هَذَا السُّكُوتُ عَلَى الرِّضَاءِ أَيْضًا، فَإِنَّ السُّكُوتَ بِشَرْطِ الصِّيَانَةِ عَنْ الْفَوَاتِ أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفُوتَ الْحَقُّ جَائِزٌ تَعْظِيمًا لِلْفُتْيَا، فَإِنَّ تَرْكَ التَّعْجِيلِ فِي الْفُتْيَا وَالتَّأَمُّلَ فِيهَا وَالسُّكُوتَ إلَى أَنْ يُبْرِزَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا فِي ضَمِيرِهِ ثُمَّ إنَّهُ يُظْهِرُ الْحَقَّ الَّذِي وَضَحَ لَهُ تَعْظِيمٌ لَهَا وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُخَالَفَةِ أَيْضًا، فَإِنَّهُمْ رُبَّمَا يَرْجِعُونَ إلَى الْحَقِّ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إظْهَارِ مُخَالَفَتِهِمْ.
وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مُجَرَّدَ السُّكُوتِ عَنْ إظْهَارِ الْخِلَافِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ الْمُوَافَقَةِ عِنْدَنَا مَا بَقِيَ مَجْلِسُ الْمُشَاوَرَةِ وَلَمْ يُفْصَلْ الْحُكْمُ بَعْدُ، فَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا حُجَّةً أَنْ لَوْ فَصَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحُكْمَ بِقَوْلِهِمْ أَوْ ظَهَرَ مِنْهُ تَوَقُّفٌ فِي الْجَوَابِ وَيَكُونُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَاكِتًا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْقَلْ هَذَا، فَإِنَّمَا يُحْمَلُ سُكُوتُهُ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى أَنَّهُ لِتَجْرِبَةِ أَفْهَامِهِمْ أَوْ لِتَعْظِيمِ الْفَتْوَى الَّتِي يُرِيدُ إظْهَارَهَا بِاجْتِهَادِهِ حَتَّى لَا يَزْدَرِيَ بِهَا أَحَدٌ مِنْ السَّامِعِينَ أَوْ لِيُرَوِّيَ النَّظَرَ فِي الْحَادِثَةِ وَيُمَيِّزَ مِنْ الِاشْتِبَاهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ مَا هُوَ الصَّوَابُ فَيُظْهِرَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَنْطِقْهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَكَانَ هُوَ ذَكَرَ مَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ رَأْيُهُ مِنْ الْجَوَابِ قَبْلَ إبْرَامِ الْحُكْمِ وَانْقِضَاءِ مَجْلِسِ الْمُشَاوَرَةِ.
قَوْلُهُ (وَأَمَّا حَدِيثُ الدِّرَّةِ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنَعَنِي دِرَّتُهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُنَاظِرُونَ وَلَا يَهَابُونَ أَحَدًا مِنْ إظْهَارِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ قَبُولَ الْحَقِّ وَيُقَدِّرُونَ إظْهَارَهُ نُصْحًا وَالسُّكُوتَ عَنْهُ غِشًّا فِي الدِّينِ، وَالْمُنَاظَرَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَوْلِ كَانَتْ مَشْهُورَةً بَيْنَهُمْ فَمِنْ الْبَعِيدِ أَنَّ