وَإِذَا قَالَ دَفَعْتَ إلَيَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ نَقَدْتَنِي لَكِنِّي لَمْ أَقْبِضْ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ وَالدَّفْعَ بِمَعْنَى الْإِعْطَاءِ لُغَةً فَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَارَ لِلْعَقْدِ أَيْضًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُمَا اسْمَانِ مُخْتَصَّانِ لِلتَّسْلِيمِ وَالْفِعْلِ.

وَأَمَّا الْإِعْطَاءُ فَهِبَةٌ فَيَصْلُحُ أَنْ يُسْتَعَارَ لِلْعَقْدِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقْبِضْهَا رُجُوعٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ دَفَعْتَ إلَيَّ إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالرُّجُوعُ لَا يَصِحُّ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا فَيَكُونُ قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا مُتَعَلِّقًا بِيُصَدَّقُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَلِّقٍ بِهِ بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بِشَرْطِ الْوَصْلِ يَعْنِي: اشْتِرَاطُ الْوَصْلِ لِلتَّصْدِيقِ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ الْوَصْلُ بَلْ يُصَدَّقُ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ إذَا وَصَلَ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ إقْرَارٌ بِالْعَقْدِ وَهُوَ الْقَرْضُ وَالسَّلَمُ الْوَدِيعَةُ وَالْعَطِيَّةُ فَكَانَ قَوْلُهُ لَمْ أَقْبِضْهَا بَيَانًا لَا رُجُوعًا وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ مَفْصُولًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْضًا فِي الْقِيَاسِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْعَقْدِ فَكَانَ هَذَا وَقَوْلُهُ ابْتَعْتُ مِنْ فُلَانٍ بَيْعًا سَوَاءً يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ أَضَافَ الْفِعْلَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي إنْكَارِ الْقَبْضِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ.

وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ تَقْتَضِي تَسْلِيمَ الْمَالِ إلَيْهِ فَإِنَّ الْقَرْضَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَكَذَا السَّلَفُ وَالسَّلَفُ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ، وَكَذَا الْإِعْطَاءُ فِعْلٌ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ فَكَانَ كَلَامُهُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ عِبَارَاتٍ عَنْ الْعَقْدِ مَجَازًا فَإِنَّ الْإِسْلَامَ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَالِ يُطْلَقُ عَلَى عَقْدِ السَّلَمِ يُقَالُ أَسْلَمَ فُلَانٌ إلَى فُلَانٍ عَشَرَةً فِي كَذَا وَلَمْ يُسْلِمْ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ، وَيُقَالُ فُلَانٌ أَقْرَضَ فُلَانًا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ يُرِيدُونَ بِهِ الْعَقْدَ.

وَكَذَا الْإِيدَاعُ وَالْإِعْطَاءُ فَكَانَ قَوْلُهُ لَمْ أَقْبِضْ بَيَانَ تَغْيِيرٍ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا، وَإِذَا قَالَ دَفَعْتَ إلَيَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ نَقَدْتَنِي لَكِنِّي أَوْ إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْنِي يُصَدَّقُ فِيهِ وَاصِلًا لَا فَاصِلًا؛ لِأَنَّ النَّقْدَ وَالدَّفْعَ وَالْإِعْطَاءَ سَوَاءٌ فَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَارَ النَّقْدُ وَالدَّفْعُ لِلْعَقْدِ كَالْإِعْطَاءِ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ وَلِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِ عِبَارَةٌ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَالْقَبْضُ شَرْطٌ لِنَفَاذِ حُكْمِ التَّسْلِيمِ وَتَمَامِهِ فَصَارَ قَوْلُهُ إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْ اسْتِثْنَاءً لِبَعْضِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُصَدَّقُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُمَا أَيْ النَّقْدُ وَالدَّفْعُ اسْمَانِ مُخْتَصَّانِ بِالتَّسْلِيمِ وَالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُطْلَقَا عَلَى غَيْرِ الْفِعْلِ أَصْلًا وَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ عَقْدٌ يُسَمَّى دَفْعًا أَوْ نَقْدًا فَلَا يَتَنَاوَلَانِ الْعَقْدَ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا فَكَانَ قَوْلُهُ إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْ أَوْ لَكِنِّي لَمْ أَقْبِضْ رُجُوعًا لَا بَيَانًا فَلَا يُقْبَلُ مَوْصُولًا وَلَا مَفْصُولًا، فَأَمَّا الْإِعْطَاءُ فَهِبَةٌ أَيْ اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى الْهِبَةِ يُقَالُ عَقْدُ الْهِبَةِ وَعَقْدُ الْعَطِيَّةِ وَلَوْ قَالَ أَعْطَيْتُك هَذَا يَصِيرُ هِبَةً فَيَصْلُحُ أَنْ يُسْتَعَارَ لِلْعَقْدِ فَكَانَ قَوْلُهُ إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْ فِيهِ بَيَانًا لَا رُجُوعًا.

وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَسْرَارِ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الدَّفْعَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّسْلِيمِ وَقَوْلُهُ إلَيَّ عِبَارَةٌ عَنْ الْوُصُولِ فَهُمَا كَلِمَتَانِ تَحْتَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ضَرْبُ إقْرَارٍ فَإِذَا اُسْتُثْنِيَ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا وَكَذَلِكَ نَقَدْتَنِي عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ نَقَدَ يَتَعَدَّى إلَيْهِ كَقَوْلِك ضَرَبْتنِي، وَلَوْ قَالَ ضَرَبْتُك إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْكَ أَوْ قَذَفْتُكَ إلَّا إنِّي لَمْ أَضِفْ إلَيْك لَمْ يَكُنْ اسْتِثْنَاءً بَلْ إبْطَالًا لِأَصْلِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ لَا يَبْقَى قَذْفًا إيَّاهُ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّيَ لَا يَبْقَى بِدُونِ الْمُتَعَدَّى إلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِعْطَاءِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدِ الْهِبَةِ وَكَذَلِكَ الْإِسْلَامُ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدِ السَّلَمِ وَالْعَقْدُ يَتَعَدَّى إلَى الْآخَرِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَتَّى إذَا حَلَفَ لَا يَهَبُ لَهُ فَوَهَبَ وَلِمَ يُسْلِمْ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ السَّلَمُ، وَكَذَلِكَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015