وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ قُلْنَا فِيمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً أَنَّهُ يَصِحُّ مَوْصُولًا؛ لِأَنَّهُ بَيَانٌ مُغَيِّرٌ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ حِفْظًا إلَّا أَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِلْحَقِيقَةِ فَصَحَّ مَوْصُولًا وَكَذَلِكَ رَجُلٌ قَالَ أَسْلَمْتَ إلَيَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كَذَا لَكِنِّي لَمْ أَقْبِضْهَا أَوْ أَسْلَفْتنِي أَوْ أَقْرَضْتنِي أَوْ أَعْطَيْتنِي فَفِي هَذَا كُلِّهِ يُصَدَّقُ بِشَرْطِ الْوَصْلِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ لِلتَّسْلِيمِ، وَقَدْ تَحْتَمِلُ الْعَقْدَ فَصَارَ النَّقْلُ إلَى الْعَقْدِ بَيَانًا مُغَيِّرًا

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْكُرُّ تَسْمِيَةَ الدَّرَاهِمِ بِلَا مَعْنَى يَعْنِي صَارَ كَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالدَّرَاهِمِ مِنْ الْأَلْفِ بِقَدْرِ مَالِيَّةِ الْكُرِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ الْمِقْدَارِ مِنْ الدَّرَاهِمِ مَعْنًى كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْجِنْسِ، وَذَلِكَ أَيْ بَقَاءُ صَدْرِ الْكَلَامِ تَسْمِيَةً بِلَا مَعْنًى فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَثْنَى هُوَ مَعْنَى حَقِيقَةِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا مِائَةً بَقِيَ التَّكَلُّمُ بِالْأَلْفِ فِي حَقِّ الْمِائَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ تَسْمِيَةً مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ لَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَلِذَلِكَ أَيْ فَلِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُرِّ مِنْ الدَّرَاهِمِ مِثْلُ اسْتِثْنَاءِ بَعْضِهَا مِنْهَا مَعْنًى بَطَلَ قَدْرُهُ أَيْ قَدْرُ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِخِلَافِ مَا لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ مِنْ الْأَمْوَالِ مِثْلِ الثَّوْبِ وَالشَّاةِ وَنَحْوِهِمَا.

؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَيْ مَعْنَى الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مُخْتَلِفٌ كَاخْتِلَافِ صُورَتِهِمَا فَإِنَّ الثَّوْبَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ وُجُوبًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا بِطَرِيقٍ خَاصٍّ وَهُوَ السَّلَمُ فَلَا يَصِحُّ اسْتِخْرَاجُهُ أَيْ اسْتِخْرَاجُ مَا لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ لِانْتِفَاءِ الْمُجَانَسَةِ صُورَةً وَمَعْنًى.

وَأَمَّا مَا اعْتَبَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ لِإِثْبَاتِ الْمُجَانَسَةِ فَذَلِكَ مَعْنًى عَامٌّ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُهُ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ مِثْلُهُ أَدَّى إلَى جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْوُجُودِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَكَذَا هَذَا وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْفَرْقَ فِي الْأَسْرَارِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَهِيَ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا دِرْهَمًا فَعَيَّنَ الدِّرْهَمَ بِمَعْنَاهَا مُسْتَخْرَجَةً عَنْ الْأَلْفِ فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ حَقِيقَةً، وَإِذَا قَالَ إلَّا دِينَارًا أَوْ قَفِيزَ حِنْطَةٍ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ صِفَةِ الْوُجُوبِ لِلدَّرَاهِمِ فَإِنَّ الْجُمْلَةَ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ دَرَاهِمُ وَاجِبَةٌ وَالْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ فِي حَقِّ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِسَبَبٍ خَاصٍّ بِالْإِتْلَافِ وَالِالْتِزَامِ وَالْمُدَايِنَاتِ جَمِيعًا فَسَقَطَ الْوُجُوبُ مِنْ الدَّرَاهِمِ بِقَدْرِ مَا اسْتَثْنَى مِنْهَا مِنْ الْحِنْطَةِ فَلَا يُمْكِنُ بَيَانُ الْقَدْرِ إلَّا بِالْمَعْنَى فَاعْتُبِرَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَأَمَّا إذَا قَالَ إلَّا ثَوْبًا فَالثِّيَابُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ عَيْنًا وَلَا وُجُوبًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا سَلَمًا فَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ اسْتِخْرَاجًا لَا فِي حَقِّ عَيْنِ الدَّرَاهِمِ وَلَا وُجُوبِهَا فَبَقِيَ مَا مَضَى عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ وَصَارَ مَجَازًا بِمَعْنَى وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ ثَوْبٌ عَلَيَّ.

قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ) وَهُوَ أَنَّ الْبَيَانَ الْمُغَيِّرَ لَا يَصِحُّ إلَّا مَوْصُولًا قُلْنَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَوْ قِبَلِي أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إنْ وَصَلَ وَلَا يُصَدَّقُ إنْ فَصَلَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُصَدَّقُ وَإِنْ فَصَلَ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ يَحْتَمِلُ الْغَصْبَ وَالْوَدِيعَةَ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرَكِ أَوْ الْمُجْمَلِ فَكَانَ قَوْلُهُ وَدِيعَةً بَيَانَ تَفْسِيرٍ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا كَمَا إذَا قَالَ هِيَ زُيُوفٌ وَقُلْنَا قَوْلُهُ وَدِيعَةً بَيَانٌ مُغَيِّرٌ لَا مُفَسِّرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَقِيقَةُ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِ نَفْسِ الْأَلْفِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ بِوُجُوبِ الْحِفْظِ عَلَيْهِ مَجَازًا بِطَرِيقِ حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ عَلَى حِفْظِ أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ كَقَوْلِك جَرَى النَّهْرُ وَسَالَ الْمِيزَابُ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ مَحَلُّ الْحِفْظِ الْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ فَكَانَ قَوْلُهُ وَدِيعَةً لِبَيَانِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ حِفْظُهَا وَإِمْسَاكُهَا إلَى أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى صَاحِبِهَا لَا أَصْلُ الْمَالِ، وَتَغْيِيرًا لِمَا اقْتَضَاهُ حَقِيقَةُ الْكَلَامِ مِنْ وُجُوبِ أَصْلِ الْمَالِ وَرُجُوعِهِ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَمِثْلُ قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فِي كَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الْبَيَانِ الْمُغَيِّرِ قَوْلُهُ أَسْلَمْتَ إلَيَّ إلَى آخِرِهِ وَقَوْلُهُ يُصَدَّقُ بِشَرْطِ الْوَصْلِ اسْتِحْسَانًا يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقِيَاسِ وَإِنْ وَصَلَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَكِنِّي أَوْ إلَّا أَنِّي لَمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015