لِضَرُورَةِ الْوُقُوعِ فِي الْعَمَلِ بِلَا دَلِيلٍ وَهُوَ الْحَالُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإصَابَةُ الطَّاهِرِ مَأْمُولٌ أَيْضًا.
وَقَوْلُهُ لِضَرُورَةٍ فِي الْعَمَلِ بِلَا دَلِيلٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْمَلْ بِالتَّحَرِّي الَّذِي هُوَ دَلِيلٌ جَائِزٌ الْعَمَلُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَاحْتَاجَ إلَى الْعَمَلِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ الَّذِي هُوَ لَيْسَ بِدَلِيلٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَيِّهِمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الطَّهَارَةُ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِالِاتِّفَاقِ لِوُجُودِ الثَّوْبِ الطَّاهِرِ مِنْ وَجْهٍ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ عُرْيَانًا إذَا وَجَدَ ثَوْبًا رُبْعُهُ طَاهِرٌ لَا غَيْرُ لِوُجُودِ الثَّوْبِ الطَّاهِرِ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّ لِلرُّبْعِ حُكْمَ الْكُلِّ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَالْعُدُولُ عَنْ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ إلَى مَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ فَاسِدٌ.
ثُمَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ جَوَازِ التَّحَرِّي وَوُجُوبِ التَّيَمُّمِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنَاءَيْنِ مَذْهَبُنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَحَرَّى وَيَتَوَضَّأُ بِمَا يَقَعُ تَحَرِّيه عَلَيْهِ أَنَّهُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ إنَّمَا جُعِلَ طَهُورًا فِي حَالَةِ الْعَجْزِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الطَّاهِرِ قَطْعًا وَلَمْ يُوجَدْ الْعَجْزُ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْوُصُولِ إلَى الطَّاهِرِ قَائِمٌ وَهُوَ التَّحَرِّي فَقِيَامُ الدَّلِيلِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ صِفَةِ الطَّهُورِيَّةِ وَلِأَنَّهُ مَتَى صَلَّى بِتَوَضُّؤٍ بِالْمَاءِ الَّذِي تَحَرَّاهُ كَانَتْ صَلَاةً بِطَهَارَةٍ حَقِيقِيَّةٍ مِنْ وَجْهٍ وَمَتَى صَلَّى بِتَيَمُّمٍ كَانَتْ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهَارَةٍ حَقِيقِيَّةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَيْسَ بِطَهَارَةٍ حَقِيقِيَّةٍ عَلَى أَصْلِهِ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى، وَإِنَّا نَقُولُ إنَّ التَّحَرِّيَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ فَقْدِ التَّحْصِيلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ أَمْكَنَهُ التَّحْصِيلُ بِالْخَلَفِ فَلَا يَكُونُ التَّحَرِّي مُعْتَبَرًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَقَوْلُهُ إنَّهُ جُعِلَ خَلَفًا حَالَةَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الطَّاهِرِ كَذَلِكَ وَلَكِنَّ الْعَجْزَ عَنْهُ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِعْمَالُ إلَّا بِالتَّحَرِّي وَشَرْعُ الْخَلَفِ يَمْنَعُ عَنْهُ وَلِأَنَّ حِلَّ الصَّلَاةِ بِتَيَمُّمٍ عُلِّقَ بِعَدَمِ ظُهُورٍ مُطْلَقٍ لَا بِعَدَمِ ظُهُورٍ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَصَارَ الْفَرْضُ أَنَّ الْخَصْمَ جَعْلُ الشَّرْعِ التَّحَرِّيَ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِ الْخَلَفِيَّةِ لِلتُّرَابِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ لَا يَثْبُتُ مَعَ التَّحَرِّي وَقُلْنَا التَّحَرِّي لَيْسَ بِدَلِيلٍ مُوَصِّلٍ إلَيْهِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ حُجَّةً لِبِنَاءِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ عِنْدَ ضَرُورَةِ فَقْدِ سَائِرِ الْأَدِلَّةِ فَإِذَا كَانَ ثَمَّةَ خَلَفٌ مَشْرُوعٌ يَمْنَعُ ظُهُورَ حُجِّيَّةِ التَّحَرِّي فَيَثْبُتُ الْعَجْزُ فَإِذًا لَا يُمْكِنُهُ اعْتِبَارُ التَّحَرِّي حُجَّةً إلَّا عِنْدَ فَقْدِ الْخَلَفِ؛ لِأَنَّ الْخَلَفَ أَقْوَى مِنْ التَّحَرِّي كَذَا فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ لِأَبِي الْفَضْلِ.
وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا كَانَ الطَّاهِرُ وَالنَّجِسُ سَوَاءً أَوْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلنَّجِسِ فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلطَّاهِرِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُ الْأَوَانِي الثَّلَاثَةِ نَجِسًا وَاثْنَانِ طَاهِرَانِ يَجِبُ التَّحَرِّي بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْغَالِبِ وَبِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الطَّاهِرِ وَإِصَابَتُهُ بِتَحَرِّيهِ مَأْمُولَةٌ، ثُمَّ فِيمَا إذَا كَانَا سَوَاءً أَوْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلنَّجِسِ حَتَّى لَزِمَهُ التَّيَمُّمُ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُرِيقَ الْكُلَّ ثُمَّ يَتَيَمَّمَ إلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِيَكُونَ تَيَمُّمُهُ فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ بِيَقِينٍ، وَإِنْ لَمْ يُرِقْ أَجْزَأَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ عَدِمَ آلَةَ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ الطَّاهِرِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَخْلِطُ الْمَائِينَ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَهَذَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ بِالْإِرَاقَةِ يَنْقَطِعُ عَنْهُ مَنْفَعَةُ الْمَاءِ وَبِالْخَلْطِ لَا يَنْقَطِعُ فَإِنَّهُ يَسْقِيه دَوَابَّهُ وَيَشْرَبُهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ كَانَ يَقُولُ يَتَوَضَّأُ بِالْإِنَاءَيْنِ جَمِيعًا احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ بِزَوَالِ الْحَدَثِ عِنْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَوَضَّأَ مَرَّةً بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ وَحُكْمُ نَجَاسَةِ الْأَعْضَاءِ أَخَفُّ مِنْ حُكْمِ الْحَدَثِ فَإِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى إزَالَةِ أَغْلَظِ الْحَدَثِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَقَاسَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ يُؤْمَرُ بِالتَّوَضُّؤِ بِهِ مَعَ التَّيَمُّمِ احْتِيَاطًا، وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ مُتَوَضِّئًا بِمَا يَتَيَقَّنُ بِنَجَاسَتِهِ وَمُنَجِّسًا أَعْضَاءَهُ أَيْضًا خُصُوصًا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ بَعْدَ الْمَسْحِ بِالْمَاءِ النَّجِسِ لَا يَطْهُرُ