وَأَمَّا الْمَجْهُولُ فَإِنَّمَا نَعْنِي بِهِ الْمَجْهُولَ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِأَنْ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا بِحَدِيثٍ أَوْ بِحَدِيثَيْنِ مِثْلُ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَنْصَارِ وَقَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْهُ فَلَا وَجْهَ إلَى رَدِّ حَدِيثِهِ بِالْقِيَاسِ.
، قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمَجْهُولُ) إلَى آخِرِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ عَامَّةَ السَّلَفِ وَجَمَاهِيرَ الْخَلَفِ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَالَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لِأَنَّ عَدَالَتَهُمْ ثَبَتَتْ بِتَعْدِيلِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُمْ وَثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ فِي آيٍ كَثِيرَةٍ مِثْلِ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100] الْآيَةَ وَقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: 29] وَقَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18] فِي شَوَاهِدَ لَهَا كَثِيرَةٍ وَبِقَوْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا اهْتِدَاءَ مِنْ غَيْرِ عَدَالَةٍ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَذْكُرُوا أَصْحَابِي إلَّا بِخَيْرٍ فَلَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِلْءَ الْأَرْضِ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ» .
وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَارَ لِي أَصْحَابًا وَأَصْهَارًا وَأَنْصَارًا» وَاخْتِيَارُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَكُونُ لِمَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَلَا تَعْدِيلَ أَعْلَى مِنْ تَعْدِيلِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ وَتَعْدِيلِ رَسُولِهِ كَيْفَ وَلَوْ لَمْ يَرِدْ الثَّنَاءُ لَكَانَ مَا اُشْتُهِرَ وَتَوَاتَرَ مِنْ حَالِهِمْ فِي الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ وَبَذْلِهِمْ الْجُهْدَ وَالْأَمْوَالَ وَقَتْلِهِمْ الْآبَاءَ وَالْأَوْلَادَ فِي مُوَالَاةِ الرَّسُولِ وَنُصْرَتِهِ كَافِيًا فِي الْقَطْعِ بِعَدَالَتِهِمْ.
وَأَمَّا مَا جَرَى بَيْنَهُمْ مِنْ الْفِتَنِ فَبِنَاءً عَلَى التَّأْوِيلِ وَالِاجْتِهَادِ فَإِنَّ كُلَّ فَرِيقٍ ظَنَّ أَنَّ الْوَاجِبَ مَا صَارَ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ أَوْفَقَ لِلدِّينِ وَأَصْلَحَ لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ طَعْنًا فِيهِمْ وَلَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ فَذَهَبَ عَامَّةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَحْظَةً فَهُوَ صَحَابِيٌّ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُشْتَقٌّ مِنْ الصُّحْبَةِ وَهِيَ تَعُمُّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ إلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِمَنْ اخْتَصَّ بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَطَالَتْ صُحْبَتُهُ مَعَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّتَبُّعِ لَهُ وَالْأَخْذِ مِنْهُ؛ وَلِهَذَا لَا يُوصَفُ مَنْ جَالَسَ عَالِمًا سَاعَةً بِأَنَّهُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَذَا إذَا أَطَالَ الْمُجَالَسَةَ مَعَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِ التَّتَبُّعِ لَهُ وَالْأَخْذِ عَنْهُ.
وَكَذَا لَوْ حَلَفَ زَيْدٌ أَنَّهُ لَيْسَ صَاحِبَ عَمْرٍو وَقَدْ صَحِبَهُ لَحْظَةً لَا يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاسْمُ لَا يَنْطَلِقُ إلَّا عَلَى مَنْ صَحِبَهُ ثُمَّ يَكْفِي لِلِاسْمِ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ الصُّحْبَةُ وَلَوْ سَاعَةً، وَلَكِنَّ الْعَرَبَ تُخَصِّصُ الِاسْمَ بِمَنْ كَثُرَتْ صُحْبَتُهُ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّوَاتُرِ وَالنَّقْلِ الصَّحِيحِ، وَلَا حَدَّ لِتِلْكَ الْكَثْرَةِ بِتَقْدِيرٍ بَلْ بِتَقْرِيبٍ قُلْت وَسَمِعْت عَنْ شَيْخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ أَدْنَاهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ لِأَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيِّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: الصَّحَابَةُ لَا نَعُدُّهُمْ إلَّا مَنْ أَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ وَغَزَا مَعَهُ غَزْوَةً أَوْ غَزْوَتَيْنِ وَإِذَا عَرَفْت هَذَا عَلِمْت أَنَّ الْمَجْهُولَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَاتُهُ إلَّا بِرِوَايَةٍ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ رَوَاهُ وَلَمْ يُعْرَفْ عَدَالَتُهُ، وَلَا فِسْقُهُ، وَلَا طُولُ صُحْبَتِهِ وَقَدْ عُرِفَتْ عَدَالَةُ الصَّحَابَةِ وَاشْتُهِرَ طُولُ صُحْبَتِهِمْ فَكَيْفَ يَكُونُ هُوَ دَاخِلًا فِيهِمْ وَعَلِمْت أَنَّ وَابِصَةَ وَسَلَمَةَ وَمَعْقِلًا، وَإِنْ رَأَوْا النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَرَوَوْا عَنْهُ لَا يُعَدُّونَ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْأُصُولِيُّونَ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ طُولِ صُحْبَتِهِمْ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ وَإِنَّمَا نَعْنِي بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْ بِالْمَجْهُولِ مَنْ لَمْ يَشْتَهِرْ بِطُولِ الصُّحْبَةِ مَعَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ وَإِنَّمَا