. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالسُّنَّةِ وَكَذَا عَائِشَةُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَاتَّبَعْنَا الصَّحَابَةَ فِي تَرْكِ رِوَايَتِهِ بِالْقِيَاسِ وَلَكِنَّا لَا نَظُنّ بِهِ وَبِجَمِيعِ الصَّحَابَةِ إلَّا الصِّدْقَ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ اشْتِرَاطِ فِقْهِ الرَّاوِي لِتَقْدِيمِ خَبَرِهِ عَلَى الْقِيَاسِ مَذْهَبُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ وَخَبَرَ الْعَرَايَا وَتَابَعَهُ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ.
فَأَمَّا عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا فَلَيْسَ فِقْهُ الرَّاوِي بِشَرْطٍ لِتَقْدِيمِ خَبَرِهِ عَلَى الْقِيَاسِ بَلْ يُقْبَلُ خَبَرُ كُلِّ عَدْلٍ ضَابِطٍ إذَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَيُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ قَالَ أَبُو الْيُسْرِ وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ مِنْ الرَّاوِي بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِ وَضَبْطِهِ مَوْهُومٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَرْوِي كَمَا سَمِعَ وَلَوْ غَيَّرَ لَغَيَّرَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَغَيَّرُ الْمَعْنَى هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَحْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالرُّوَاةِ الْعُدُولِ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ وَرَدَّتْ بِلِسَانِهِمْ فَعِلْمُهُمْ بِاللِّسَانِ يَمْنَعُ مِنْ غَفْلَتِهِمْ عَنْ الْمَعْنَى وَعَدَمِ وُقُوفِهِمْ عَلَيْهِ وَعَدَالَتُهُمْ وَتَقْوَاهُمْ تَدْفَعُ تُهْمَةَ التَّزَايُدِ عَلَيْهِ وَالنُّقْصَانِ عَنْهُ قَالَ: وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ هُوَ الَّذِي يُوجِبُ وَهْنًا فِي رِوَايَتِهِ، وَالْوُقُوفُ عَلَى الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ مُتَعَذِّرٌ فَيَجِبُ الْقَبُولُ كَيْ لَا يَتَوَقَّفَ الْعَمَلُ بِالْأَخْبَارِ.
وَاسْتَدَلَّ غَيْرُهُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبِلَ حَدِيثَ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ فِي الْجَنِينِ وَقَضَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ إنْ كَانَ حَيًّا وَجَبَتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ كِدْنَا أَنْ نَقْضِيَ فِيهِ بِرَأْيِنَا وَفِيهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبِلَ أَيْضًا خَبَرَ الضَّحَّاكِ فِي تَوْرِيثِ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا وَكَانَ الْقِيَاسُ خِلَافَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِيمَا كَانَ يَمْلِكُهُ الْمُوَرِّثُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَالزَّوْجُ لَا يَمْلِكُ الدِّيَةَ قَبْلَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ وَلَمْ يُنْقَلْ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَيْضًا بَلْ الْمَنْقُولُ عَنْهُمْ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَلَمْ يُنْقَلْ التَّفْضِيلُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ عَمِلُوا بِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الصَّائِمِ إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ حَتَّى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْلَا الرِّوَايَةُ لَقُلْتُ بِالْقِيَاسِ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَعْضِ أَمَالِيهِ أَنَّهُ أَخَذَ لِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَأَثْبَتَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ مَا جَاءَنَا عَنْ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فَعَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ اشْتِرَاطُ الْفِقْهِ فِي الرَّاوِي فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُسْتَحْدَثٌ وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَالْعَرِيَّةِ وَأَشْبَاهِهِمَا فَقَالَ: إنَّمَا تَرَكَ أَصْحَابُنَا الْعَمَلَ بِهَا لِمُخَالَفَتِهَا الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَة لَا لِفَوَاتِ فِقْهِ الرَّاوِي وَأَنَّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا بَيَّنَّا وَحَدِيثُ الْعَرِيَّةِ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ، قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ كَيْلٌ بِكَيْلٍ» عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا بَلْ كَانَ فَقِيهًا وَلَمْ يَعْدَمْ شَيْئًا مِنْ أَسْبَابِ الِاجْتِهَادِ وَقَدْ كَانَ يُفْتِي فِي زَمَانِ الصَّحَابَةِ وَمَا كَانَ يُفْتِي فِي ذَلِكَ الزَّمَانَ إلَّا فَقِيهٌ مُجْتَهِدٌ وَكَانَ مِنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِيَ عَنْهُمْ وَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُ بِالْحِفْظِ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِيهِ حَتَّى انْتَشَرَ فِي الْعَالَمِ ذِكْرُهُ وَحَدِيثُهُ وَقَالَ إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ ثَبَتَ عِنْدَنَا فِي الْأَحْكَامِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْهَا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَوَى عَنْهُ سَبْعُمِائَةِ نَفَرٍ مِنْ أَوْلَادِ الْمُهَاجِرِينَ