وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ مِثْلُ قَوْلِ بَعْضِهِمْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] : إنَّ الْقُرْآنَ يُوجِبُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الصَّبِيِّ الزَّكَاةُ وَقَالُوا: لِأَنَّ الْعَطْفَ يُوجِبُ الشَّرِكَةَ وَاعْتَبَرُوا بِالْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ وَقُلْنَا نَحْنُ: إنَّ عَطْفَ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ فِي اللُّغَةِ لَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ بَيْنَهُمَا لِافْتِقَارِ الْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ إلَى مَا تَتِمُّ بِهِ فَإِذَا تَمَّ بِنَفْسِهِ لَمْ تَجِبْ الشَّرِكَةُ إلَّا فِيمَا يُفْتَقَرُ إلَيْهِ وَهَذَا أَكْثَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَنْ يُحْصَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا بَعْدَ تَفَحُّصٍ وَإِتْقَانٍ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ فِي مَكَان آخَرَ وَيَحْتَمِلُ التَّحَرُّزَ وَالتَّوَرُّعَ عَنْ الْمُجَازَفَةِ أَيْ أَنَّا تَفَحَّصْنَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ دُونَ سَائِرِ الْمَوَاضِعِ فَنُخْبِرُ عَمَّا تَحَقَّقْنَا وَلَا نُخْبِرُ مُجَازَفَةً عَنْ سَائِرِ الْأَمْكِنَةِ لِأَنَّا لَمْ نَتَفَحَّصْ فِيهَا فَعَارَضَ هَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ فَلَا يُمْنَعُ الْعَمَلُ بِشَهَادَتِهِمْ بِمِثْلِ هَذِهِ التُّهْمَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ الثَّابِتَ بْنَ الدَّحْدَاحِ لَمَّا مَاتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ قَبِيلَتِهِ هَلْ يَعْرِفُونَ لَهُ فِيكُمْ نَسَبًا قَالُوا: لَا إلَّا ابْنَ أُخْتٍ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِيرَاثَهُ لِابْنِ أُخْتِهِ إلَى لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ» فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فِيهِمْ نَسَبًا وَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَعَمِلَ بِشَهَادَتِهِمْ كَذَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ.
[الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ]
قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَمِنْ الْعَمَلِ بِالْوُجُوهِ الْفَاسِدَةِ مَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ إنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ وَصُورَتَهُ أَنَّ حَرْفَ الْوَاوِ مَتَى دَخَلَ بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ تَامَّتَيْنِ فَالْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفَةُ تُشَارِكُ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهَا فِي الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا عِنْدَهُمْ خِلَافًا لِعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمَعْطُوفَ إذَا كَانَ نَاقِصًا يُشَارِكُ الْجُمْلَةَ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهَا فِي خَبَرِهِ وَحُكْمِهِ جَمِيعًا وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الْقِرَانَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ بِوَاوِ النَّظْمِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] يُوجِبُ سُقُوطَ الزَّكَاةِ عَنْ الصَّبِيِّ كَسُقُوطِ الصَّلَاةِ عَنْهُ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ فِي الْحُكْمِ وَشُبْهَتُهُمْ أَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ فِي اللُّغَةِ وَلِهَذَا يُسَمَّى وَاوُ الْعَطْفِ عِنْدَهُمْ وَمُوجِبُ الْعَطْفِ هُوَ الِاشْتِرَاكُ وَمُطْلَقُ الِاشْتِرَاكِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ وَلِهَذَا إذَا كَانَ الْمَعْطُوفُ مُتَعَرِّيًا عَنْ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ يُشَارِكُ الْأَوَّلَ فِي خَبَرِهِ وَحُكْمِهِ فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِالشَّرِكَةِ فِي الْحُكْمِ إذَا كَانَا كَلَامَيْنِ تَامَّيْنِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَاعْتَبِرُوا بِالْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ فِي كَلَامِ النَّاسِ يُوجِبُ الْقِرَانُ الِاشْتِرَاكَ فَإِنَّ قَوْلَهُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ يُوجِبُ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ وَالْحُرِّيَّةِ جَمِيعًا بِالشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَلَامَيْنِ تَامًّا مُفِيدًا بِنَفْسِهِ فَكَذَا فِي كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَقُلْنَا نَحْنُ إنَّ عَطْفَ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ فِي اللُّغَةِ لَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ كَلَامٍ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِنَفْسِهِ وَيَنْفَرِدَ بِحُكْمِهِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ كَلَامٌ آخَرُ كَقَوْلِك جَاءَنِي زَيْدٌ وَذَهَبَ عَمْرٌو لِأَنَّ فِي إثْبَاتِ الشَّرِكَةِ جَعْلَ الْكَلَامَيْنِ كَلَامًا وَاحِدًا وَهُوَ خِلَافُ الْحَقِيقَةِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهِيَ فِي الْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ فَإِنَّهَا لَمَّا احْتَاجَتْ إلَى الْخَبَرِ أَوْجَبَ عَطْفُهَا عَلَى الْكَامِلَةِ الشَّرِكَةَ فِي الْخَبَرِ ضَرُورَةَ الْإِفَادَةِ وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ عُدِمَتْ فِي عَطْفِ الْجُمْلَةِ التَّامَّةِ عَلَى مِثْلِهَا فَلَمْ يَثْبُتْ الشَّرِكَةُ.
وَهَذَا أَيْ عَطْفُ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ بِدُونِ الشَّرِكَةِ كَثِيرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى