وَإِنَّمَا نَعْنِي بِهَذَا مَا ظَهَرَ وَمِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ لُغَةً وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِظَاهِرِ اللُّغَةِ مِثْلُ الضَّرْبِ اسْمٌ لِفِعْلٍ بِصُورَةٍ مَعْقُولَةٍ وَمَعْنَى مَقْصُودٍ وَهُوَ الْإِيلَامُ وَالتَّأْفِيفُ اسْمٌ لِفِعْلٍ بِصُورَةٍ مَعْقُولَةٍ وَمَعْنَى مَقْصُودٍ وَهُوَ الْأَذَى وَالثَّابِتُ بِهَذَا الْقِسْمِ مِثْلُ الثَّابِتِ بِالْإِشَارَةِ وَالْعِبَارَةِ، إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ التَّعَارُضِ دُونَ الْإِشَارَةِ حَتَّى صَحَّ إثْبَاتُ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ بِدَلَالَاتِ النُّصُوصِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ كُلَّ لُغَوِيٍّ يَعْرِفُ ذَلِكَ الْمَعْنَى ثَابِتًا بِالضَّرْبِ لُغَةً.
وَذَكَرَ أَيْضًا فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ دَلَالَةُ النَّصِّ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ بِالتَّأَمُّلِ فِي مَعَانِي اللُّغَةِ مَجَازِهَا وَحَقِيقَتِهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَعْرِيفَ دَلَالَةِ النَّصِّ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَلَا نُعِيدُهُ. وَإِنَّمَا نَعْنِي بِهَذَا أَيْ بِمَعْنَى النَّظْمِ مَا ظَهَرَ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ كَلِمَةُ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ لَا لِلْبَيَانِ أَيْ تَبَيَّنَ وَفَهِمَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لِلْكَلَامِ لَا مِنْ اللَّفْظِ نَفْسِهِ، وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى مَا وَلُغَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَقْصُودِ لَا بِظَاهِرِهِ أَيْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَفْهُومِ مِنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ يَكُونُ مَقْصُودًا لُغَةً بِظَاهِرِ الْكَلَامِ وَإِنْ لَمْ يُوضَعْ لَهُ الْكَلَامُ مِثْلُ الضَّرْبِ اسْمٌ لِفِعْلٍ بِصُورَةٍ مَعْقُولَةٍ أَيْ مَعْلُومَةٍ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ آلَةِ التَّأْدِيبِ فِي مَحَلٍّ صَالِحٍ لِلتَّأْدِيبِ وَمَعْنَى مَقْصُودٌ وَهُوَ الْإِيلَامُ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ لَيْسَ إلَّا الْإِيلَامُ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ فُلَانًا فَضَرَبَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَحْنَثُ لِفَوَاتِ مَعْنَى الْإِيلَامِ هُوَ الْمَقْصُودُ، ثُمَّ اسْتِعْمَالُ آلَةِ التَّأْدِيبِ هُوَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِالْوَضْعِ وَمَعْنَى الْإِيلَامِ هُوَ الْمَفْهُومُ لُغَةً مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَا مِنْ اللَّفْظِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِلْإِيلَامِ فَالثَّابِتُ بِمَعْنَى الْإِيلَامِ ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَكَذَا التَّأْفِيفُ اسْمٌ لِفِعْلٍ بِصُورَةٍ مَعْلُومَةٍ وَهُوَ إظْهَارُ التَّبَرُّمِ وَالسَّآمَةِ بِالتَّلَفُّظِ بِكَلِمَةِ أُفٍّ.
وَمَعْنَى مَقْصُودٍ وَهُوَ الْإِيذَاءُ فَإِظْهَارُ التَّبَرُّمِ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ وَالْإِيذَاءُ هُوَ الْمَعْنَى الْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ فَالثَّابِتُ بِهِ هُوَ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ، ثُمَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحُرْمَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِيذَاءِ لَا بِصُورَةِ التَّأْفِيفِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَالْإِيذَاءُ فِي الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَالْقَتْلِ فَوْقَ الْإِيذَاءِ فِي التَّأْفِيفِ فَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِيهَا بِمَعْنَى النَّصِّ لُغَةً وَكَانَ النَّصُّ بِمَعْنَاهُ دَالًّا عَلَى تَحْرِيمِهَا وَلِذَلِكَ سُمِّيَ دَلَالَةَ النَّصِّ لَا عَيْنَ النَّصِّ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا لَفْظًا لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ ثَابِتًا بِالنَّصِّ لُغَةً كَانَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِهِ مُضَافًا إلَى النَّصِّ كَأَنَّ النَّصَّ تَنَاوَلَهُ، إلَّا أَنَّهُ أَيْ هَذَا الْقِسْمَ وَهُوَ الدَّلَالَةُ عِنْدَ التَّعَارُضِ دُونَ الْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْإِشَارَةِ وُجِدَ النَّظْمُ وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَفِي الدَّلَالَةِ لَمْ يُوجَدْ، إلَّا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ فَتَقَابَلَ الْمَعْنَيَانِ وَبَقِيَ النَّظْمُ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارَضَةِ فِي الْإِشَارَةِ فَتَرَجَّحَتْ بِذَلِكَ.
1 -
وَمِثَالُ تَعَارُضِ الدَّلَالَةِ وَالْإِشَارَةِ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا وَجَبَتْ فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ لِلْجِنَايَةِ مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] الْآيَةَ؛ لَأَنْ تَجِبُ بِالْعَمْدِ وَلَا عُذْرَ فِيهِ كَانَ أَوْلَى وَيُعَارِضُهَا قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] فَإِنَّهُ يُشِيرُ إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ كُلَّ جَزَائِهِ جَهَنَّمَ إذْ الْجَزَاءُ اسْمٌ لِلْكَامِلِ التَّامِّ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فَلَوْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ مَعَهُ كَانَ الْمَذْكُورُ بَعْضَ الْجَزَاءِ فَلَمْ يَكُنْ كَامِلًا تَامًّا أَلَا تَرَى أَنَّ فِي جَانِبِ الْخَطَأِ لَمَّا وَجَبَتْ الدِّيَةُ مَعَ الْكَفَّارَةِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] فَعَرَفْنَا بِلَفْظِ الْجَزَاءِ أَنَّ مِنْ مُوجِبِ النَّصِّ انْتِفَاءَ الْكَفَّارَةِ فَرَجَّحْنَا الْإِشَارَةَ عَلَى الدَّلَالَةِ، حَتَّى صَحَّ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مِثْلُ النَّابِتِ بِالْإِشَارَةِ وَالْعِبَارَةُ الِاسْتِثْنَاءُ مُعْتَرِضٌ.
وَمِثَالُ إثْبَاتِ الْحُدُودِ بِهَا إيجَابُ حَدِّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ عَلَى الرَّدْءِ؛ لِأَنَّ