حَتَّى قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يَجُوزُ الْأَدَاءُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ الْعَشَرَةَ كُلَّهَا فِي عَشْرَةِ سَاعَاتٍ لِمَا قُلْنَا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَكَانَ الْيَوْمُ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ الطَّعَامُ فِي حُكْمِ التَّمْلِيكِ مِثْلُ الثَّوْبِ وَالْإِبَاحَةِ لَا يَصِحُّ، إلَّا فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا يَلْزَمُ إذَا قَبَضَ الْمِسْكِينُ كِسْوَتَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ فَصَاعِدًا جُمْلَةً أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ فِي غَيْرِهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فَلَمْ يُؤْخَذْ بِالتَّفْرِيقِ.
وَأَمَّا دَلَالَةُ النَّصِّ فَمَا ثَبَتَ بِمَعْنَى النَّظَرِ لُغَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــQاعْتِبَارُهَا وَوَجَبَ إقَامَةُ سَبَبٍ ظَاهِرٍ مَقَامَهَا، وَقَدْ وَجَدْنَا فِي الطَّعَامِ سَبَبًا ظَاهِرًا لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ وَهُوَ تَجَدُّدُ الْيَوْمِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِتَجَدُّدِ الْحَاجَةِ إلَى الطَّعَامِ غَالِبًا فَأَقَمْنَاهُ مَقَامَهُ وَفِي الْكِسْوَةِ لَا يَتَجَدَّدُ الْحَاجَةُ بِمُضِيِّ الْيَوْمِ وَنَحْوِهِ، إلَّا أَنَّ قَدْرَ مَا يَتَجَدَّدُ بِهِ الْحَاجَةُ إلَيْهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَفَاوَتُ فِيهِ النَّاسُ وَلَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ ظَاهِرٍ يُقَامُ مَقَامَ تَجَدُّدِ الْحَاجَةِ فَأَقَمْنَا تَجَدُّدَ الْيَوْمِ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ أُقِيمَ فِي نَظِيرِهِ وَهُوَ الطَّعَامُ مَقَامَ تَجَدُّدِ الْحَاجَةِ فَيُقَامُ مَقَامَهُ فِي الْكِسْوَةِ أَيْضًا وَأَنْ يُوجَدْ فِي الْكِسْوَةِ مَا يُوجَدُ فِي الطَّعَامِ. قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مُدَّةُ تَجَدُّدِ الْحَاجَةِ إلَى الْكِسْوَةِ مَعْلُومَةً شُرِطَ نَفْسُ التَّفْرِيقِ بِأَقَلَّ مَا تُيَسِّرُ الْعِبَادَةُ عَنْهُ وَذَلِكَ بِالْأَيَّامِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا سَاعَاتٌ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ.
حَتَّى قَالَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ صَارَ هَالِكًا وَكَذَا قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا رَاجِعٌ إلَيْهِ أَيْضًا لِلْعَشَرَةِ أَيْ لِلْأَثْوَابِ الْعَشَرَةِ، إلَّا أَنَّهُ أَيْ الزَّمَانَ الَّذِي اعْتَبَرُوهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّهَا أَيْ السَّاعَاتِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ أَيْ غَيْرُ مَضْبُوطَةٍ، وَكَذَلِكَ الطَّعَامُ فِي حُكْمِ التَّمْلِيكِ مِثْلُ الثَّوْبِ فَيَجُوزُ التَّفْرِيقُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي عَشْرِ سَاعَاتٍ عِنْدَ ذَلِكَ الْبَعْضِ.
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ: وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْ مُحَمَّدٌ مَا لَوْ فَرَّقَ الْفِعْلَ أَيْ الْإِطْعَامَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَا إشْكَالَ فِي طَعَامِ الْإِبَاحَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، إلَّا بِتَجَدُّدِ الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُسْتَوْفَى فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ طَعَامُ عَشَرَةٍ فَأَمَّا فِي التَّمْلِيكِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ أُقِيمَ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْإِطْعَامِ وَالْحَاجَةُ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ لَيْسَ لَهَا نِهَايَةٌ فَإِذَا فَرَّقَ الدَّفَعَاتِ جَازَ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ كَمَا يَجُوزُ فِي الْأَيَّامِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا بِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَنَّهُ لَوْ كَسَا مِسْكِينًا وَاحِدًا فِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ كِسْوَةَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَجْزَأَهُ لِتَفَرُّقِ الْفِعْلِ وَإِنْ انْعَدَمَ تَجَدُّدُ الْحَاجَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ. وَأَكْثَرُهُمْ قَالُوا: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ سَدُّ الْخُلَّةِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى الْغَنِيِّ لِأَنَّهُ طَاعِمٌ يَمْلِكُهُ وَإِطْعَامُ الطَّاعِمِ لَا يَتَحَقَّقُ.
وَبَعْدَمَا اسْتَوْفَى فِي وَظِيفَتِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَا يَحْصُلُ سَدُّ خُلَّتِهِ بِصَرْفِ وَظِيفَةٍ أُخْرَى فِي هَذَا الْيَوْمِ إلَيْهِ بِخِلَافِ كَفَّارَةٍ أُخْرَى لِمَا سَنَذْكُرُ. وَبِخِلَافِ الثَّوْبِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ تَجَدُّدَ الْأَيَّامِ فِيهِ أُقِيمَ مَقَامَ تَجَدُّدِ الْحَاجَةِ تَيْسِيرًا. وَلَا يَلْزَمُ إلَى آخَرَ تَقْرِيرُ السُّؤَالِ أَنَّهُ إذَا قَبَضَ كِسْوَتَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَجُوزُ عَنْ الْكِسْوَتَيْنِ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَ أَحَدِهِمَا حَصَلَ قَضَاءُ حَوَائِجِهِ فَلَمْ يَجُزْ الْآخَرُ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيمَا إذَا قَبَضَ كِسْوَتَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ.
فَقَالَ أَوْ آكِلٌ وَاحِدٌ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ فِي حَقِّهِ فَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمُؤَدِّي، إلَّا كِسْوَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ كُلًّا مُكَلَّفٌ بِفِعْلِهِ لَا بِفِعْلِ غَيْرِهِ. فَلَمْ يُؤْخَذْ بِالتَّفْرِيقِ أَيْ لَمْ يُكَلَّفْ الْمُؤَدِّي بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ بِأَنْ يُعْطِيَهُ فِي حَالٍ لَا يُعْطِيَهُ غَيْرَهُ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُهُ فَيُكَلَّفُ بِالتَّفْرِيقِ.
[دَلَالَةُ النَّصِّ]
قَوْلُهُ (وَأَمَّا دَلَالَةُ النَّصِّ) أَيْ الثَّابِتِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَمَا ثَبَتَ بِمَعْنَى النَّصِّ لُغَةً.
قَالَ الشَّيْخُ فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى: وَلَا نَعْنِي بِهِ الْمَعْنَى الَّذِي يُوجِبُهُ ظَاهِرُ النَّظْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْعِبَارَةِ وَإِنَّمَا نَعْنِي بِهِ الْمَعْنَى الَّذِي أَدَّى إلَيْهِ الْكَلَامُ كَالْإِيلَامِ مِنْ الضَّرْبِ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ اسْمِ الضَّرْبِ لُغَةً لَا شَرْعًا بِدَلِيلِ