وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النَّسَبَ إلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ نَسَبَ إلَيْهِ فَاللَّامُ الْمِلْكِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ التَّمْلِيكِ فِي مَالِ وَلَدِهِ وَأَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ بِسَبَبِهِ كَالْمَالِكِ بِمَمْلُوكِهِ؛ لِأَنَّهُ نَسَبَ إلَيْهِ فَاللَّامُ الْمِلْكِ وَعَلَيْهِ تُبْنَى مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى انْفِرَادِ الْأَبِ بِتَحَمُّلِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ وَلَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِيهَا، فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِهَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَلَدَ إذَا كَانَ غَنِيًّا وَالْوَالِدُ مُحْتَاجًا لَمْ يُشَارِكْ الْوَلَدَ أَحَدٌ فِي تَحَمُّلِ نَفَقَةِ الْوَالِدِ لِمَا قُلْنَا مِنْ النِّسْبَةِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ.
وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ.
«أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ» .
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «أَقَلُّ الْحَيْضِ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ ثَلَاثُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ» وَهُوَ عِبَارَةٌ فَتَرَجَّحَ عَلَى الْإِشَارَةِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي إلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ أَلَا فَأَنْتُمْ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ أَلَا لَكُمْ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ. فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَهَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُ فَضْلِي أَعْطَيْته مَنْ شِئْتُ» .
سِيقَ لِبَيَانِ فَضِيلَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ أَكْثَرُ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَبْقَى وَقْتُ الظُّهْرِ أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَهَى بِصَيْرُورَةِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلِهِ لَكَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ.
وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ إمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُ ظِلِّهِ، وَقَالَ بَعْدَمَا صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ.
وَهُوَ عِبَارَةٌ فَرَجَّحَهَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْإِشَارَةِ وَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ قَوْلُهُ (فَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الثَّابِتِ بِالْإِشَارَةِ أَوْ مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ الْعِبَارَةُ وَالْإِشَارَةُ نُسِبَ إلَيْهِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ وَأَنَّهُ يُوجِبُ الِاخْتِصَاصَ فَدَلَّ عَلَى كَوْنِهِ أَحَقَّ بِالْوَلَدِ بِالْإِجْمَاعِ لَا يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ مِلْكًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَصِيرُ مِلْكًا لِأَبِيهِ بِحَالٍ فَدَلَّ أَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِهِ نَسَبًا فَإِنْ قِيلَ الْوَلَدُ يُنْسَبُ إلَى الْأُمِّ كَمَا يُنْسَبُ إلَى الْأَبِ وَيَرِثُ مِنْهَا كَمَا يَرِثُ مِنْ الْأَبِ فَمَا فَائِدَةُ تَخْصِيصِهِ بِالْأَبِ قُلْنَا: فَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي الْأُمُورِ الَّتِي يُمَيَّزُ لَهَا بَيْنَ نَسَبٍ وَنَسَبٍ كَالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى وَالْكَفَاءَةِ وَاعْتِبَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا جَانِبُ الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ.
أَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ التَّمَلُّكِ أَيْ لَهُ حَقٌّ أَنْ يَتَمَلَّكَ مَالَ الِابْنِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ حَقُّ مِلْكٍ فِي الْحَالِ حَتَّى جَازَ لِلِابْنِ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَحَلَّ لَهُ وَطْءُ جَارِيَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الشَّفِيعِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ الدَّارَ الْمَبِيعَةَ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقُّ مِلْكٍ بِوَجْهٍ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ لَهُ حَقَّ الْمِلْكِ فِي اكْتِسَابِهِ بِاعْتِبَارِ الْيَدِ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ التَّمَلُّكِ حَتَّى لَمْ يَحِلَّ وَطْءُ جَارِيَتِهِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ حَقِّ التَّمَلُّكِ وَحَقِّ الْمِلْكِ.
وَأَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ بِوَلَدِهِ أَيْ بِسَبَبِ وَلَدِهِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ ابْنَهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَلَوْ قَذَفَهُ بِأَنْ قَالَ زَنَيْتَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ وَلَا يُحْبَسُ فِي دَيْنِهِ كَالْمَالِكِ بِمَمْلُوكِهِ أَيْ كَمَا لَا يُعَاقَبُ الْمَالِكُ بِسَبَبِ مَمْلُوكِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ نُسِبَ إلَيْهِ فَاللَّامُ الْمِلْكِ كَالْعَبْدِ.
1 -
وَعَلَيْهِ أَيْ عَلَى ثُبُوتِ حَقِّ التَّمَلُّكِ لِلْأَبِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ.
مِنْهَا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِوَطْءِ جَارِيَةِ ابْنِهِ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَقْرُ بِوَطْئِهَا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْوَطْءِ بِنَاءً عَلَى حَقِّ التَّمَلُّكِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ الِابْنِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الِابْنِ لِمَا قُلْنَا. وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا أَنْفَقَ مَالَهُ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ ضَرُورَةٍ لَا يُؤَاخَذُ بِالضَّمَانِ. وَفِيهِ أَيْ وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} [البقرة: 233] إشَارَةٌ إلَى انْفِرَادِ الْأَبِ بِتَحَمُّلِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ، بِنَاءً عَلَى هَذِهِ