حَتَّى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ إنَّ الْإِمَامَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ أَوْ صَلَبَهُ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ ابْتِدَاءً أَوْ صَلَبَهُ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَحْتَمِلُ الِاتِّحَادَ وَالتَّعَدُّدَ فَكَذَلِكَ الْجَزَاءُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالدَّلِيلِ أَنَّ مَنْ قَطَعَ عَلَى حَرْبِيٍّ طَرِيقًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا قُلْنَا قَدْ قِيلَ إنَّهُمْ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا فَجَاءُوا يُرِيدُونَ الْهِجْرَةَ لِتَعَلُّمِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ يُرِيدُونَ الْإِسْلَامَ يُرِيدُونَ تَعَلُّمَ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ.

وَقِيلَ بَلْ جَاءُوا عَلَى قَصْدِ أَنْ يُسْلِمُوا وَمَنْ جَاءَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ فَوَصَلَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحَدُّ يَجِبُ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ كَمَا يَجِبُ بِالْقَطْعِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِينَ (فَإِنْ قِيلَ) دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ صُلِبَ وَمَنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ قُتِلَ وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ فَقَدْ أَوْجَبَ عَلَى كُلِّ فَرِيقٍ حَدًّا عَلَى حِدَةٍ بِسَبَبِ قَطْعِ طَرِيقٍ وَاحِدٍ وَمَتَى قَطَعَ الطَّرِيقَ جَمَاعَةٌ فَقَتَلَ الْبَعْضُ مِنْهُمْ وَأَخَذَ الْمَالَ فَإِنَّ الصَّلْبَ يَجِبُ عَلَى الْكُلِّ بِلَا تَفْصِيلٍ قُلْنَا الْحَدُّ ذُكِرَ مُطْلَقًا فِي الْحَدِيثِ إذْ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ أَنَّ مَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ مِنْهُمْ صُلِبَ فَيَنْصَرِفُ كُلُّ حَدٍّ إلَى نَوْعٍ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ عَلَى حِدَةٍ وَلَا يَنْصَرِفُ كُلُّهُ إلَى أَصْحَابِ أَبِي بُرْدَةَ فَكَانَ أَصْحَابُهُ سَبَبًا لِبَيَانِ الْحُكْمِ فِي كُلِّ نَوْعٍ لَا أَنْ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِمْ عَلَى التَّفْصِيلِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِمْ وَالْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ (حَتَّى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ) يَعْنِي لَمَّا انْقَسَمَتْ أَنْوَاعُ الْجَزَاءِ عَلَى أَنْوَاعِ الْجِنَايَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالْقَتْلِ كَانَ لِلْإِمَامِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ قَطَعَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ أَوْ صَلَبَهُ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ أَوْ صَلَبَهُ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَةُ الِاتِّحَادِ وَجِهَةُ التَّعَدُّدِ أَمَّا جِهَةُ التَّعَدُّدِ فَلِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْقَطْعِ قَدْ وُجِدَ وَالسَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْقَتْلِ قَدْ وُجِدَ فَيَلْزَمُهُ حُكْمُ السَّبَبَيْنِ.

وَأَمَّا جِهَةُ الِاتِّحَادِ فَلِأَنَّ الْكُلَّ قَطْعُ الْمَادَّةِ وَهُوَ وَاحِدٌ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْقَتْلِ أَوْ الصَّلْبِ وَهَذَا نَظِيرُ مَا قَالَ فِيمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ قَطَعَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ لِاجْتِمَاعِ جِهَتَيْ التَّعَدُّدِ وَالِاتِّحَادِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَصْلُبُهُ الْإِمَامُ لَا غَيْرُ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ مَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ صُلِبَ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالُوا وَلِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ شُرِعَ جَزَاءَ قَطْعِ الطَّرِيقِ الْآمِنِ بِأَمَانِ اللَّهِ تَعَالَى لِإِجْرَاءِ أَخْذِ الْمَالِ وَقَتْلِ النَّفْسِ مُجَاهَرَةً إذْ الْحَقُّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ لِصَاحِبِهِ إلَّا أَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ يَتَقَوَّى إذَا خَوَّفَ النَّاسَ بِالْقَتْلِ وَالْأَخْذِ جَمِيعًا فَيَزْدَادُ الْحَدُّ كَمَا ازْدَادَ الْجِنَايَةُ فَيَزْدَادُ حَدُّ الزَّانِي الْمُحْصَنِ عَلَى حَدِّ الْبِكْرِ لِقُوَّةِ جِنَايَتِهِ بِزِيَادَةِ الْحُرْمَةِ بِاجْتِمَاعِ الْمَوَانِعِ مِنْ الزِّنَا كَذَا فِي الْأَسْرَارِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَنَا وَذَكَرَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ الْجَوَابَ لِأَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَرْوِيَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ رُوِيَ فِي رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ وَصُلِبَ فَقَدْ تَعَارَضَتْ الرِّوَايَاتُ فِي حَدِيثِهِ فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَوَجَبَ التَّمَسُّكُ بِمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْعُرَنِيِّينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَارَضْ فِيهِ الرِّوَايَاتُ.

وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِقَطْعِ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ وَأَمَرَ بِتَرْكِهِمْ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا» فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ فَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِهَذَا لَمَّا تَعَارَضَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ فِي جَانِبِ الْجَوَابِ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ قَوْلَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015