وَهَذَا الِاسْمُ بِظَاهِرِهِ يَتَنَاوَلُهُمْ لَكِنْ بَطَلَ الْعَمَلُ بِهِ لِتَقَدُّمِ الْحَقِيقَةِ عَلَيْهِ فَبَقِيَ ظَاهِرُ الِاسْمِ شُبْهَةٌ.
فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ إنْ أَكَلَ مِنْ عَيْنِهَا أَوْ مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْمِ بَعْدَ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ مِنْهُ إثْبَاتٌ لَهُ بِدَلِيلٍ ضَعِيفٍ فَيُعْمَلُ بِهِ إذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مُعَارِضٌ كَمَا فِي جَانِبِ الْأَبْنَاءِ فَإِنَّ ابْنَ الِابْنِ تَبَعٌ لِلِابْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَأَمَّا إذَا وُجِدَ مُعَارِضٌ فَلَا كَمَا فِي جَانِبِ الْآبَاءِ فَإِنَّ جِهَةَ كَوْنِ الْجَدِّ تَبَعًا فِي الِاسْمِ إنْ كَانَتْ تُوجِبُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي حَقِّهِ فَجِهَةُ كَوْنِهِ أَصْلًا مِنْ حَيْثُ الْخِلْفَةُ مَانِعَةٌ عَنْهُ فَيَسْقُطُ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَارِضِ؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فِي نَفْسِهِ فَأَمَّا بَابُ الْمِيرَاثِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى الْقُرْبِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَبَ أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ مِنْ جَدِّهِ فَلَا جَرَمَ يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ بَعْدَ الْأَبِ. وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ أُصُولٌ لِلْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَأَنَّهُمْ مُخْتَصُّونَ بِاسْمٍ فَلَا يَتَنَاوَلُهُمْ اسْمُ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ عَلَى وَجْهِ الِاتِّبَاعِ لِفُرُوعِهِمْ كَمَا لَا يَتَنَاوَلُ الْعَمَّ مَعَ أَنَّهُ سُمِّيَ أَبًا فِي قَوْله تَعَالَى.
{قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] . وَإِسْمَاعِيلُ كَانَ عَمًّا لِيَعْقُوبَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَكَمَا يَتَنَاوَلُ الْخَالَةَ مَعَ أَنَّهَا سُمِّيَتْ أُمًّا فِي قَوْله تَعَالَى. {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] . أَيْ أَبَاهُ وَخَالَتَهُ وَفِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. «الْخَالَةُ أُمٌّ» . حَتَّى لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُمَا يَدْخُلَانِ فِي الْأَمَانِ لِلْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْأَتْبَاعِ وَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَخْتَصُّ بِاسْمٍ آخَرَ بِهِ يُنْسَبُ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ. وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آبَاءٌ وَأُمَّهَاتٌ وَلَهُمْ أَجْدَادٌ وَجَدَّاتٌ لَا يَدْخُلُونَ أَيْضًا بِخِلَافِ بَنِي الْأَبْنَاءِ فَإِنَّهُمْ تَفَرَّعُوا مِنْ الْأَبْنَاءِ فَكَانُوا تَبَعًا لَهُمْ وَإِنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ بِاسْمِ الْبُنُوَّةِ وَلَكِنْ بِوَاسِطَةِ الِابْنِ فَكَانَ الْأَمَانُ بِهَذَا الِاسْمِ مُتَنَاوِلًا لَهُمْ. وَهَذَا بَيَانُ لِسَانِ الْعَرَبِ فَإِنْ كَانَ قَوْمٌ فِي لِسَانِهِمْ الَّذِي يَتَكَلَّمُونَ بِهِ أَنَّ الْجَدَّ أَبٌ كَمَا أَنَّ ابْنَ الِابْنِ ابْنٌ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْأَمَانِ وَهَكَذَا فِي لِسَانِ الْفَارِسِيَّةِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْجَدِّ بَدْرُ بَدْرٍ كَمَا يُقَالُ لِابْنِ الِابْنِ بُسْرُ بُسْرٍ. هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَقَالَ هَذَا الْفَصْلُ مُشْكِلٌ (فَإِنْ قِيلَ) إذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ يَصِيرُ مُكَاتَبًا عَلَيْهِ تَبَعًا فَلْيَثْبُتْ الْأَمَانُ هَهُنَا أَيْضًا لِشُبْهَةِ الِاسْمِ تَبَعًا وَفِيهِ حَقْنُ الدَّمِ. (قُلْنَا) لَوْ لَمْ يَحْكُمْ هُنَاكَ بِكِتَابَتِهِ تَبَعًا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مَمْلُوكًا لِابْنِهِ وَهُوَ شَنِيعٌ جِدًّا أَوْ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى الِاسْتِخْلَاصِ عَنْ ذَلِكَ فَأَمَّا هَهُنَا فَقَدْ أَمْكَنَهُ إحْرَازُ نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِالِاسْتِيمَانِ أَوْ بِالْإِسْلَامِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ارْتِكَابِ جَعْلِ الْمَتْبُوعِ تَبَعًا.
وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ شُعَبِ الْحُرِّ لِثُبُوتِ حُرِّيَّةِ الْيَدِ فِيهَا وَإِفْضَائِهَا إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ فَكَمَا تَثْبُتُ لَهُ الْحُرِّيَّةُ إذَا اشْتَرَاهُ ابْنُهُ الْحُرُّ فَكَذَلِكَ نُثْبِتُ لَهُ صِفَةَ الْكِتَابَةِ إذَا اشْتَرَاهُ ابْنُهُ الْمُكَاتَبُ إثْبَاتًا لِلْحُكْمِ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ. وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ قَبِيلِ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي أَنَّ لَفْظَ الْأَبِ هَلْ يَتَنَاوَلُ الْجَدَّ ظَاهِرًا لِيَثْبُتَ لَهُ الْأَمَانُ ابْتِدَاءً بِصُورَةِ هَذَا الِاسْمِ لَا أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْأَمَانُ مِنْ جِهَةِ الِابْنِ بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ. وَالْكِتَابَةُ وَالْحُرِّيَّةُ يَثْبُتَانِ لَهُ مِنْ جِهَةِ الِابْنِ بِأَمْرٍ حُكْمِيٍّ لَا بِاعْتِبَارِ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا فَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَبِيلِ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَهَذَا الِاسْمُ أَيْ اسْمُ الْأَبْنَاءِ يَتَنَاوَلُهُمْ يَعْنِي بَنِي الْأَبْنَاءِ. لَكِنْ بَطَلَ الْعَمَلُ بِهِ أَيْ بِذَلِكَ التَّنَاوُلِ يَعْنِي امْتَنَعَ التَّنَاوُلُ لِتَقَدُّمِ الْحَقِيقَةِ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ قِيلَ) هَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ أُخَرُ تَرِدُ نَقْصًا عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا وَإِنَّمَا أَفْرَدَهَا عَنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِكَوْنِهَا مُخْتَلِفَةً بَيْنَ أَصْحَابِنَا بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ. ثُمَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا وَاسْتَدَلُّوا بِهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ أَوَّلًا