وَيَصِيرُ السَّاقِطُ بِطَرِيقِ التَّعَارُضِ كَالسَّاقِطِ بِالْحَقِيقَةِ فَيَصِيرُ كَوَقْتِ الظُّهْرِ فِي التَّقْدِيرِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ عَنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَا يُفَوِّتُهُ وَالتَّعَارُضُ لِلْحَالِ غَيْرُ قَائِمٍ لِأَنَّ الْحَيَاةَ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي غَالِبَةٌ، وَالْمَوْتُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِالْفُجَاءَةِ نَادِرٌ فَلَا يُتْرَكُ الظَّاهِرُ بِالنَّادِرِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ اسْتَوَتْ الْأَيَّامُ كُلُّهَا كَأَنَّهُ أَدْرَكَهَا جُمْلَةً فَخُيِّرَ بَيْنَهَا وَلَا يَتَعَيَّنُ أَوَّلُهَا وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ النَّفَلَ بَقِيَ مَشْرُوعًا لِأَنَّا إنَّمَا اعْتَبِرْنَا التَّعْيِينَ احْتِيَاطًا وَاحْتِرَازًا عَنْ الْفَوْتِ فَظَهَرَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَأْثَمِ لَا غَيْرُ فَأَمَّا أَنْ يَبْطُلَ اخْتِيَارُ جِهَةِ التَّقْصِيرِ وَالْمَأْثَمِ فَلَا وَلَا يَلْزَمُ إذَا أَدْرَكَ الْعَامَ الثَّانِيَ لِأَنَّا إنَّمَا عَيَّنَّا الْأَوَّلَ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فَإِذَا أَدْرَكَهُ وَذَهَبَ الشَّكُّ صَارَ الثَّانِي هُوَ الْمُتَعَيَّنُ وَسَقَطَ الْمَاضِي لِأَنَّ الْمَاضِيَ لَا يَحْتَمِلُ الْأَدَاءَ بَعْدَ مُضِيِّهِ وَفِي إدْرَاكِ الثَّالِثِ شَكٌّ فَقَامَ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ وَمِنْ حُكْمِ هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ وَقْتَ الْحَجِّ ظَرْفٌ لَهُ لَا مِعْيَارٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقِّ غَيْرِهِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ مِنْ الْقَوْلِ بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْعَاقِبَةَ مَسْتُورَةٌ فَلَا يُمْكِنُ بِنَاءُ الْأَمْرِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ إذَا سَأَلَنَا سَائِلٌ وَقَالَ قَدْ وَجَبَ عَلَيَّ حَجٌّ وَأُرِيدُ أَنْ أُؤَخِّرَهُ إلَى السَّنَةِ الَّتِي تَأْتِي وَالْعَاقِبَةُ مَسْتُورَةٌ عَنِّي فَهَلْ يَحِلُّ لِي التَّأْخِيرُ مَعَ الْجَهْلِ بِالْعَاقِبَةِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْنَا نَعَمْ فَلَمْ يَأْثَمْ بِالْمَوْتِ الَّذِي لَيْسَ إلَيْهِ.
وَإِنْ قُلْنَا لَا يَحِلُّ فَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِهِ وَإِنْ قُلْنَا إنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّك تَمُوتُ قَبْلَ إدْرَاكِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَحِلُّ لَك التَّأْخِيرُ وَإِنْ كَانَ فِي عِلْمِهِ أَنَّك تَحْيَا فَلَكَ التَّأْخِيرُ فَيَقُولُ أَوْ مَا يَدْرِينِي مَاذَا فِي عِلْمِ اللَّهِ فَمَا فَتْوَاكُمْ فِي حَقِّ الْجَاهِلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَزْمِ بِالتَّحْلِيلِ أَوْ التَّحْرِيمِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْإِثْمِ وَإِنْ مَاتَ كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَوْ الْإِثْمُ بِنَفْسِ التَّأْخِيرِ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَذَا رَأَيْت فِي بَعْضِ نُسَخِ أُصُولِ الْفِقْهِ فَثَبَتَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْفَضْلِ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ.
قَوْلُهُ (وَيَصِيرُ السَّاقِطُ بِطَرِيقِ التَّعَارُضِ كَالسَّاقِطِ بِالْحَقِيقَةِ) يَعْنِي قَدْ سَقَطَ أَشْهُرُ الْعَامِ الْقَابِلِ مِنْ كَوْنِهَا وَقْتَ الْحَجِّ فِي حَقِّهِ لِتَعَارُضِ دَلِيلِ الْإِدْرَاكِ وَهُوَ الْحَيَاةُ وَدَلِيلِ عَدَمِ الْإِدْرَاكِ وَهُوَ الْمَمَاتُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ سَقَطَ حَقِيقَةً أَيْ صَارَ كَأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ بَعْدُ لَيْسَ مِنْ عُمْرِهِ أَصْلًا فَيَبْقَى هَذَا الْوَقْتُ الْمَوْجُودُ بِلَا مُعَارِضٍ فَيَصِيرُ كَوَقْتِ الظُّهْرِ فَالتَّأْخِيرُ عَنْهُ يَكُونُ تَفْوِيتًا كَتَأْخِيرِ الظُّهْرِ عَنْ وَقْتِهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ أَيْ صَوْمِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَنَحْوِهِمَا أَنَّ تَأْخِيرَهُ عَنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَا يُفَوِّتُهُ لِمَا ذُكِرَ فَلَمْ يَكُنْ دَلِيلُ عَدَمِ الْإِدْرَاكِ مُسَاوِيًا لِدَلِيلِ الْإِدْرَاكِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالتَّعَارُضُ لِلْحَالِ غَيْرُ قَائِمٍ أَيْ تَعَارُضُ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ فِي لَيْلَةٍ غَيْرُ قَائِمٍ لِأَنَّ الْحَيَاةَ غَالِبَةٌ وَالْمَوْتُ نَادِرٌ فَلَا يَسْقُطُ إدْرَاكُ الْيَوْمِ الثَّانِي بِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِتَعَارُضِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَلَمْ يُوجَدْ وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ كَانَ مُزَاحِمًا لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَثْبُتْ تَعَيُّنُهُ لِلْأَدَاءِ فَجَازَ التَّأْخِيرُ.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِأَنَّ التَّعَارُضَ لِلْحَالِ قَائِمٌ أَيْ تَعَارُضُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فِي الْحَالِ قَائِمٌ وَإِنْ وُجِدَ احْتِمَالُ الْمَوْتِ قَبْلَ مَجِيءِ الْيَوْمِ كَمَا فِي الْحَجِّ لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ فَلَا يُقَابِلُ الْغَالِبَ وَهُوَ الْحَيَاةُ وَإِذَا ثَبَتَ التَّعَارُضُ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ لِلْأَدَاءِ فَجَازَ التَّأْخِيرُ.
وَقَوْلُهُ لِلْحَالِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّعَارُضَ فِي الْحَجِّ لِلْحَالِ مَعْدُومٌ وَإِنْ اُحْتُمِلَ أَنْ يَثْبُتَ بِالْإِدْرَاكِ فَأَمَّا التَّعَارُضُ هَهُنَا فَقَبْلَ الْإِدْرَاكِ ثَابِتٌ وَهَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ أَصَحُّ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ النَّفَلَ بَقِيَ مَشْرُوعًا) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ بَقِيَ وَقْتًا لِلنَّفْلِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ التَّعْيِينَ إنَّمَا ثَبَتَ هَهُنَا يُعَارِضُ خَوْفَ الْفَوْتِ لَا أَنَّهُ أَمْرٌ أَصْلِيٌّ فَيَظْهَرُ التَّعْيِينُ أَيْ أَثَرُهُ فِي حُرْمَةِ التَّأْخِيرِ وَحُصُولِ الْإِثْمِ بِهِ لَا فِي انْتِفَاءِ شَرْعِيَّةِ النَّفْلِ بِخِلَافِ تَعَيُّنِ رَمَضَانَ لِلْفَرْضِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ أَصْلِيٌّ ثَبَتَ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ فَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي انْتِفَاءِ النَّفْلِ وَحُصُولِ الْإِثْمِ جَمِيعًا فَأَمَّا أَنْ يُبْطِلَ أَيْ بِهَذَا التَّعْيِينِ جِهَةَ اخْتِيَارِ التَّقْصِيرِ وَالْمَأْثَمِ بِالشُّرُوعِ فِي النَّفْلِ فَلَا نَعْنِي شُرُوعَهُ فِي النَّفْلِ اخْتِيَارَ جِهَةِ الْإِثْمِ وَالتَّقْصِيرِ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْفَرْضَ وَقَدْ بَقِيَ لَهُ اخْتِيَارُ ذَلِكَ كَمَا لَهُ اخْتِيَارُ جَانِبِ التَّرْكِ أَصْلًا وَفِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ إذْ لَوْ لَمْ يَبْقَ لَهُ اخْتِيَارُ ذَلِكَ لَحَصَلَتْ الْعِبَادَةُ جَبْرًا وَالْفِعْلُ الْجَبْرِيُّ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً
1 -
قَوْلُهُ (وَمِنْ حُكْمِ هَذَا الْأَصْلِ) أَيْ وَقْتِ