وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَقِيَ وَقْتًا لِلنَّفْلِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِي مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا حَجٌّ وَاحِدٌ وَلَوْ تَعَيَّنَ لِلْفَرْضِ لِمَا بَقِيَ النَّفَلُ مَشْرُوعًا كَمَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَثَبَتَ أَنَّهُ غَيْرَ مُتَعَيَّنٍ إلَّا بِالْأَدَاءِ وَمَتَى تَعَيَّنَ بِالْأَدَاءِ لَمْ يَبْقَ النَّفَلُ فِيهِ مَشْرُوعًا وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ مِنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ مُتَعَيَّنَةٌ لِلْأَدَاءِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ التَّأْخِيرُ عَنْهَا كَوَقْتِ الظُّهْرِ لِلظُّهْرِ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْأَدَاءِ لِحَقِّهِ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَهَذَا وَاحِدٌ لَا مُزَاحِمَ لَهُ لِأَنَّ الْمُزَاحَمَةَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِدْرَاكِ وَقْتٍ آخَرَ وَهُوَ مَشْكُوكٌ لِأَنَّهُ لَا يُدْرِكُهُ إلَّا بِالْحَيَاةِ إلَيْهِ وَالْحَيَاةُ وَالْمَمَاتُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ سَوَاءٌ فِي الِاحْتِمَالِ فَلَا يَثْبُتُ الْإِدْرَاكُ بِالشَّكِّ فَيَبْقَى هَذَا الْوَقْتُ مُتَعَيَّنًا بِلَا مُعَارَضَةٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــQيَفُوتُ ثُمَّ ذَكَرَ فِي آخِرِ كَلَامِ مُحَمَّدٍ وَأَمَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ فَإِنْ كَانَ الْمَوْتُ فَجْأَةً لَمْ يَلْحَقْهُ إثْمٌ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ ظُهُورِ إمَارَاتٍ يَشْهَدُ قَلْبُهُ بِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ يَفُوتُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ التَّأْخِيرُ وَيَصِيرُ مُتَضَيَّقًا عَلَيْهِ لِقِيَامِ الدَّلِيل فَإِنَّ الْعَمَلَ بِدَلِيلِ الْقَلْبِ وَاجِبٌ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدِلَّةِ وَاسْتَدَلَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ الْحَجَّ فَرْضُ الْعُمْرِ فَكَانَ جَمِيعُ الْعُمْرِ وَقْتَ أَدَائِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَأَدَّى فِي كُلِّ عَامٍ إلَّا فِي وَقْتٍ خَاصٍّ وَهُوَ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَيَكُونُ وَقْتُهُ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَيْ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِهَا لَا أَشْهُرُ الْحَجِّ مِنْ هَذَا الْعَامِ بِعَيْنِهَا.

وَمَا مِنْ سَنَةٍ يَمْضِي إلَّا وَيُتَوَهَّمُ إدْرَاكُ الْوَقْتِ بَعْدَهَا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْعَجْزُ بِعَارِضِ الْمَوْتِ فَرَجَّحْنَا الْحَيَاةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا كَانَ ثَابِتًا فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْمُزِيلُ وَفِيهِ شَكٌّ فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِتَعَيُّنِهِ فِعْلًا كَصَوْمِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ مُوَقَّتٌ بِالْعُمْرِ وَوَقْتُ أَدَائِهِ النُّهُرُ دُونَ اللَّيَالِي كَمَا أَنَّ وَقْتَ الْحَجِّ أَشْهُرُ الْحَجِّ دُونَ بَاقِي السَّنَةِ وَمَعَ هَذَا لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِتَعَيُّنِ الْعَبْدِ فِعْلًا فَكَذَا هَذَا وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ مِنْ السَّنَةِ الْأُولَى فِي حَقِّ الْمُخَاطَبِ بِهِ آخِرُ الْوَقْتِ فَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ كَمَا فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَقْتَ فِي حَقِّهِ أَشْهُرُ الْحَجِّ مِنْ عُمْرِهِ لَا مِنْ جَمِيعِ الدَّهْرِ وَالْأَشْهُرِ الَّتِي مِنْ عُمْرِهِ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِعُمْرِهِ وَهَذِهِ الْأَشْهُرُ هِيَ الْمُتَّصِلَةُ بِعُمْرِهِ يَقِينًا وَاَلَّتِي لَمْ يَجِئْ بَعْدُ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ بِعُمْرِهِ فَلَا تَصِيرُ وَقْتَ حَجِّهِ إلَّا بِالِاتِّصَالِ.

وَذَلِكَ مَشْكُوكٌ وَالِانْفِصَالُ فِي الْحَالِ ثَابِتٌ فَلَا يَرْتَفِعُ بِالشَّكِّ وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْفِصَالِ لَا يَبْقَى وَقْتٌ لِحَجِّهِ غَيْرُ الْوَقْتِ الْحَاضِرِ فَيَكُونُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ تَفْوِيتًا كَالتَّأْخِيرِ عَنْ آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ بِمُضِيِّ وَقْتِ عَرَفَةَ يَفُوتُ وَقْتُ الْحَجِّ فِي الْحَالِ وَلَا يُرْجَى عَوْدُهُ إلَّا بِالْعَيْشِ إلَى الْعَامِ الْقَابِلِ وَفِيهِ شَكٌّ لِأَنَّ الْعَيْشَ إلَى سَنَةٍ لَيْسَ بِأَرْجَحَ مِنْ الْمَوْتِ فَلَا يَثْبُتُ الْعَوْدُ بِالشَّكِّ وَلَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ الْفَوْتِ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ الْمُطْلَقِ عَنْ الْوَقْتِ حَيْثُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ لِأَنَّ الْفَوْتَ فِيهِ بِالْمَوْتِ وَالْعُمْرُ ثَابِتٌ لِلْحَالِ وَالْمَوْتُ مُحْتَمَلٌ فَلَا يَرْتَفِعُ الثَّابِتُ بِالْمُحْتَمَلِ فَأَمَّا الثَّابِتُ هَهُنَا فَالْفَوْتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَلَا يَرْتَفِعُ بِالْمُحْتَمَلِ وَهُوَ الْعَيْشُ إلَى السَّنَةِ الْقَابِلَةِ وَنَظِيرُهُ الْمَفْقُودُ لَا يُورَثُ عَنْهُ مَالُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَلَا يَرِثُ عَنْ وَاحِدٍ لِأَنَّ مِلْكَ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَهُ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ أَيْضًا وَبِخِلَافِ تَأْخِيرِ صَوْمِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْمَوْتَ فِي لَيْلَةٍ نَادِرٌ فَلَمْ يُعَدَّ تَفْوِيتًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَصَارَ حَرْفُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْخَصْمَ يَقُولُ لَا فَوَاتَ إلَّا بِالْمَوْتِ فَإِنَّ جَمِيعَ الْعُمْرِ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَيُعْتَبَرُ الظَّاهِرُ لِإِبْقَاءِ مَا كَانَ مِنْ الْقُدْرَةِ وَلَا يُبْطِلُهَا بِالْمَوْهُومِ وَنَحْنُ نَقُولُ إذَا تَعَذَّرَ الْأَدَاءُ عَلَيْهِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَقَدْ تَحَقَّقَ الْفَوَاتُ وَلَهُ احْتِمَالُ أَنْ لَا يَكُونَ فَوَاتًا بِالْإِدْرَاكِ وَفِيهِ شَكٌّ فَحَكَمْنَا بِالْفَوَاتِ لِلْحَالِ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ فَوَاتًا.

(فَإِنْ قِيلَ) قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ سَنَةَ عَشْرٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَنَزَلَتْ فَرْضِيَّتُهُ سَنَةَ سِتٍّ مِنْهَا فَعُلِمَ أَنَّ التَّأْخِيرَ جَائِزٌ (قُلْنَا) تَأْخِيرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ لِعُذْرٍ وَهُوَ اشْتِغَالُهُ بِأَمْرِ الْحُرُوبِ وَغَيْرِهِ وَلِأَنَّ التَّأْخِيرَ إنَّمَا حُرِّمَ لِلْفَوْتِ وَذَلِكَ بِالشَّكِّ فِي الْعَيْشِ وَقَدْ ارْتَفَعَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعِيشُ إلَى أَنْ يُبَيِّنَ أَمْرَ الْحَجِّ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الدِّينِ وَيُعَلِّمُ النَّاسَ الْمَنَاسِكَ وَلَمْ يَكُنْ عِلْمٌ قَبْلَ عَامِ الْحَجِّ فَلَمَّا ارْتَفَعَ الشَّكُّ فِي حَقِّهِ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَصَارَ كَأَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَهَذَا الدَّلِيلُ لَمْ يَثْبُتْ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015