وَالْقِسْمُ الَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ آلَةً لِغَيْرِهِ فَمِثْلُ إتْلَافِ الْمَالِ وَإِتْلَافِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَيَضْرِبَ بِهِ نَفْسًا أَوْ مَالًا فَيُتْلِفَهُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مَا أَوْجَبَ جُرْحُهُ وَجَبَ بِهِ الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَبْدِيلُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ أَيْضًا فَلِذَلِكَ جُعِلَ آلَةً فَإِذَا جُعِلَ آلَةً لَهُ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا صَارَ ابْتِدَاءُ وُجُودِ الْفِعْلِ مُضَافًا إلَيْهِ فَلَزِمَهُ حُكْمُ الْفِعْلِ ابْتِدَاءً وَخَرَجَ الْمُكْرَهُ مِنْ الْوَسَطِ وَلِذَلِكَ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ عَقْلٍ وَأَهْلِيَّةِ خِطَابٍ يُوجِبُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَصِحَّةَ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ إلَّا أَنَّ قِيَامَ السُّكْرِ يُورِثُ شُبْهَةَ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِيهِ فَلَا يَبْطُلُ مَا ثَبَتَ بِأَصْلِ الْكَلَامِ بِهَذِهِ الشُّبْهَةِ وَالْكَامِلُ مِنْ الْإِكْرَاهِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ بِالْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ وَالْقَاصِرُ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ بِالْحَبْسِ أَوْ الْقَيْدِ فِي هَذَا أَيْ فِي الَّذِي يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الرِّضَا وَالْأَقَارِيرُ كُلُّهَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْقَاصِرَ يُعْدِمُ الرِّضَا وَعَدَمُهُ يَمْنَعُ النَّفَاذَ وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُخْبَرِ بِهِ وَالْحَدُّ فِي الْحَبْسِ الَّذِي هُوَ الْإِكْرَاهُ مَا يَجِيءُ مِنْهُ الِاغْتِمَامُ الْبَيِّنُ بِهِ وَفِي الضَّرْبِ الَّذِي هُوَ إكْرَاهٌ مَا يَجِدُ مِنْهُ الْأَلَمَ الشَّدِيدَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ لَا يَكُونُ وَلَكِنَّ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْحَاكِمُ إذَا رُفِعَ ذَلِكَ إلَيْهِ فَمَا رَأَى أَنَّهُ إكْرَاهٌ أَفْسَدَ الْعَقْدَ وَأَبْطَلَ الْإِقْرَارَ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَلِلْوَجِيهِ الَّذِي يَضَعُ الْحَبْسَ مِنْ جَاهِهِ تَأْثِيرُ الْحَبْسِ وَالْقَيْدِ يَوْمًا فِي حَقِّهِ فَوْقَ تَأْثِيرِ حَبْسِ شَهْرٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلِهَذَا لَمْ يُقَدَّرْ فِيهِ بِشَيْءٍ وَجُعِلَ مَوْكُولًا إلَى رَأْيِ الْقَاضِي لِيَبْنِيَ ذَلِكَ عَلَى حَالِ مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

قَوْلُهُ (وَالْقَسَمُ الَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ فِيهِ آلَةً لِغَيْرِهِ فَمِثْلُ إتْلَافِ الْمَالِ وَإِتْلَافِ النَّفْسِ) ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْمُكْرِهَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَيَضْرِبُ الْمُكْرِهُ بِهِ نَفْسًا أَوْ مَالًا فَيُتْلِفُهُ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُكْرَهِ أَيْ مَعَهُ مَا أَوْجَبَ جُرْحَ الْمَقْتُولِ بِأَنْ قَالَ اُقْتُلْهُ بِالسَّيْفِ أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ فَقَتَلَهُ بِهِ وَجَبَ بِهِ أَيْ بِسَبَبِ هَذَا الْإِكْرَاهِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الْجُرْحِ الْقَوَدُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا شَرَطَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْقَتْلِ بِعَصًا أَوْ بِحَجَرٍ كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَتْلِ الْمُثَقَّلِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ أَنَّهُ ذَكَرَ الْإِجْمَاعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ وَالْمَبْسُوطِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى الْمُكْرَهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى أَحَدٍ بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْمُكْرَهِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى الْمُكْرَهِ دُونَ الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ عَمْدًا فَيَلْزَمُهُ الْقَوَدُ كَمَا لَوْ أَصَابَتْهُ مَخْمَصَةٌ فَقَتَلَ إنْسَانًا وَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهِ.

أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُكْرَهِ بِالْإِكْرَاهِ بِسَائِرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالْإِثْمِ وَالتَّفْسِيقِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ وَإِبَاحَةِ قَتْلِهِ لِلْمَقْصُودِ بِالْقَتْلِ فَكَذَا الْقَوَدُ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الضَّرُورَةِ فِي إسْقَاطِ الْإِثْمِ دَوْمُ الْحُكْمِ حَتَّى أَنَّ مَنْ أَصَابَتْهُ مَخْمَصَةٌ تُبَاحُ لَهُ تَنَاوُلُ مَالِ الْغَيْرِ وَلَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ وَإِثْمُ الْقَتْلِ هَاهُنَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْمُكْرَهِ بِالْإِكْرَاهِ فَلَأَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْهُ حُكْمُ الْقَتْلِ أَوْلَى وَاسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ بَقَاءَ الْإِثْمِ فِي حَقِّ الْمُكْرَهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ كُلَّهُ لَمْ يَصِرْ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرَهِ وَالْقِصَاصُ لَا يَجِبُ إلَّا بِمُبَاشَرَةِ جِنَايَةٍ تَامَّةٍ وَقَدْ عُدِمَتْ مِنْ الْمُكْرَهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ.

وَلَنَا أَنَّ الْمُكْرَهَ مُلْجَأٌ إلَى هَذَا الْفِعْلِ وَالْإِلْجَاءُ بِأَبْلَغِ الْجِهَاتِ يَجْعَلُ الْمُلْجَأَ آلَةَ الْمُلْجِئِ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ إذَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَغْيِيرُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَجْبُولٌ عَلَى حُبِّ الْحَيَاةِ فَلَمَّا هُدِّدَ بِالْقَتْلِ يَطْلُبُ لِنَفْسِهِ مَخْلَصًا عَنْ الْهَلَاكِ وَلَمَّا لَمْ يَتَوَصَّلْ إلَيْهِ إلَّا بِالْإِقْدَامِ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ يُقْدِمُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا طَلَبًا لِلْخَلَاصِ فَيَفْسُدُ اخْتِيَارَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَيَصِيرُ مَجْبُولًا عَلَى هَذَا الْفِعْلِ بِقَضِيَّةِ الطَّبْعِ وَإِذَا فَسَدَ اخْتِيَارُهُ اُلْتُحِقَ بِالْآلَةِ الَّتِي لَا اخْتِيَارَ لَهَا وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ سَيْفٍ فِي يَدِ الْمُكْرِهِ اسْتَعْمَلَهُ فِي قَتْلِهِ فَيَصِيرُ الْفِعْلُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ لَا إلَى الْآلَةِ ثُمَّ الْمُكْرَهُ هَاهُنَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لِلْمُكْرِهِ فِي الْقَتْلِ بِأَنْ يَأْخُذَ يَدَهُ مَعَ السِّكِّينِ فَيَقْتُلَ بِهِ غَيْرَهُ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي جَعْلِهِ آلَةً تَبْدِيلُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَتْلَ لَوْ كَانَ طَوْعًا مِنْ الْفَاعِلِ لَكَانَ جِنَايَةً عَلَى الْمَقْتُولِ مُوجِبَةً لِلْقَوَدِ وَبِأَنْ جَعْلَ الْفَاعِلَ آلَةً وَنَسَبَ الْفِعْلَ إلَى الْمُكْرَهِ لَا يُفَوِّتُ الْجِنَايَةَ عَلَى الْقَتِيلِ بَلْ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ نَفْسُ الْمَقْتُولِ كَمَا كَانَتْ فَلِذَلِكَ أَيْ فَلِصَلَاحِهِ لِلْآلَةِ وَعَدَمِ لُزُومِ تَبَدُّلِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ جُعِلَ الْمُكْرَهُ آلَةً لِلْمُكْرِهِ وَنُسِبَ الْفِعْلُ إلَيْهِ وَإِذَا جُعِلَ الْمُكْرَهُ آلَةً بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا صَارَ ابْتِدَاءُ وُجُودِ الْفِعْلِ مُضَافًا إلَى الْمُكْرِهِ لَا أَنَّهُ نُقِلَ مِنْ الْمُكْرِهِ إلَيْهِ كَمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015