. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِصُنْعِ الْعِبَادِ فَمُعْتَبَرٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ حَرَجٌ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ مُمْكِنٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مِائَةَ حَجَّةٍ لَزِمَتْهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ حَرَجٌ وَالشَّرْعُ مَا أَوْجَبَ إلَّا حَجَّةً تَيْسِيرًا وَأَقْرَبُ مِمَّا ذَكَرْنَا الْحِنْطَةُ الْمَقْلِيَّةُ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ فَإِنَّ فِيهِمَا تَفَاوُتًا مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ بِصُنْعِ الْعِبَادِ كَانَ مُعْتَبَرًا حَتَّى لَمْ يَجُزْ بَيْعُ أَحَدَيْهِمَا بِالْأُخْرَى وَالْحِنْطَةُ الْعِلْكَةُ بِغَيْرِ الْعِلْكَةِ فَإِنَّ فِيهِمَا تَفَاوُتًا أَيْضًا لَكِنْ لَمَّا كَانَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى جُعِلَ عَفْوًا حَتَّى جَازَ أَحَدَيْهِمَا بِالْأُخْرَى وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَهُوَ الْحُلُولُ الْمُضَافُ إلَى صُنْعِ الْعِبَادِ.
وَقَدْ وَجَدْنَا شُبْهَةَ الْعِلَّةِ يَعْنِي لَمَّا وَجَدْنَا شُبْهَةَ الْفَضْلِ مُعْتَبَرَةً لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تُضَافَ إلَى سَبَبٍ فَوَجَدْنَا شُبْهَةَ الْعِلَّةِ أَيْ عِلَّةِ حُرْمَةِ حَقِيقَةِ الْفَضْلِ وَهِيَ أَحَدُ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ فَإِنَّ الْعِلَّةَ التَّامَّةَ هِيَ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ وَالْجِنْسُ شَطْرُ الْعِلَّةِ، وَشَطْرُ الْعِلَّةِ لَهُ حُكْمُ الْوُجُودِ فِي نَفْسِهِ وَحُكْمُ الْعَدَمِ مِنْ حَيْثُ الشَّطْرُ الْآخَرُ فَدَارَ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ فَيَثْبُتُ لَهُ شُبْهَةُ الْوُجُودِ فَانْعَقَدَ عِلَّةً لِثُبُوتِ شُبْهَةِ الْحُكْمِ احْتِيَاطًا لِبَابِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيمَا يَحْتَاطُ فِيهِ الْعَمَلُ عَمَلُ الْحَقِيقَةِ فَأَثْبَتْنَاهُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَيْ أَثْبَتْنَا هَذَا الْحُكْمَ وَهُوَ حُرْمَةُ النَّسِيئَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ أَثْبَتْنَا كَوْنَ الْجِنْسِ بِانْفِرَادِهِ سَبَبًا لِثُبُوتِ حُرْمَةِ النَّسِيئَةِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ فَإِنَّ النَّصَّ الَّذِي يُوجِبُ سَبَبِيَّةَ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ لِحُرْمَةِ حَقِيقَةِ الْفَضْلِ يَدُلُّ عَلَى سَبَبِيَّةِ الْجِنْسِ لِحُرْمَةِ النَّسِيئَةِ وَتَحْقِيقُهُ مَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الْبُرْغَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فِقْهَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُبْنَى عَلَى أَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ فِي بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ التَّسْوِيَةَ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ وَتَفْسِيرُ الْيَدِ بِالْيَدِ النَّقْدُ وَحَرُمَ الْفَضْلُ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ وَهُوَ الْفَضْلُ عَلَى الْكَيْلِ، وَالْفَضْلُ مِنْ حَيْثُ النَّقْدِيَّةُ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ خَيْرٌ مِنْ النَّسِيئَةِ فَأَوْجَبَ التَّسْوِيَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنْ الْفَضْلِ، وَعِلَّةُ هَذَا الْحُكْمِ الْكَيْلُ مَعَ الْجِنْسِ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ «وَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً» فَأَسْقَطَ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ وَهُوَ التَّسْوِيَةُ كَيْلًا عِنْدَ زَوَالِ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ وَهُوَ الْجِنْسُ وَحَكَمَ بِبَقَاءِ الْحُكْمِ الْآخَرِ وَهُوَ التَّسْوِيَةُ مِنْ حَيْثُ النَّقْدِيَّةُ عِنْدَ بَقَاءِ الْوَصْفِ الْآخَرِ وَهُوَ الْكَيْلُ فَعَرَفْنَا أَنَّ حُكْمَ هَذَا النَّصِّ أَعْنِي قَوْلَهُ إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ إلَى آخِرِهِ وُجُوبُ التَّسْوِيَةِ مِنْ وَجْهٍ احْتِرَازًا عَنْ الْفَضْلِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ فَضْلُ النَّقْدِ عَلَى النَّسِيئَةِ، وَأَنَّ عِلَّةَ هَذَا الْحُكْمِ كَوْنُ هَذِهِ الْأَمْثَالِ مُتَسَاوِيَةَ الْمَالِيَّةِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ لَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَالْكَيْلُ الْمُسَوَّى مِنْ وَجْهٍ لَمَّا أَوْجَبَ هَذَا الْحُكْمَ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْجِنْسِ الْمُسَوِّي بَيْنَ الْأَمْوَالِ مِنْ وَجْهِ أَنْ يُوجِبَ الْحُكْمَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ فِي إثْبَاتِ التَّسْوِيَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ يُؤَثِّرُ فِي إثْبَاتِ التَّسْوِيَةِ صُورَةً لَا مَعْنًى وَالْجِنْسُ يُؤَثِّرُ فِي إثْبَاتِهَا مَعْنًى.
وَفَضْلُ النَّقْدِ عَلَى النَّسِيئَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فَلَمَّا أَوْجَبَ الْكَيْلَ الْمُسَوِّي لِلْأَمْوَالِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ تَسْوِيَةً مَعْنَوِيَّةً، وَحَرَّمَ فَضْلًا مَعْنَوِيًّا فَالْجِنْسُ الْمُسَوِّي مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَأَنْ يَحْرُمُ الْفَضْلُ الْمَعْنَوِيُّ كَانَ أَوْلَى وَهَذَا كُلُّهُ؛ لِأَنَّ بَابَ الرِّبَا مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَتَبَيَّنَ بِآخِرِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ» مُتَعَلِّقٌ بِالْوَصْفَيْنِ حَيْثُ عُدِمَ بِعَدَمِ أَحَدِهِمَا فَكَانَا عِلَّةً وَاحِدَةً