فَأَمَّا تَفْسِيرُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَمِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي الْجِنْسِ بِانْفِرَادِهِ إنَّهُ يَحْرُمُ النَّسِيئَةُ فَهَذَا خِلَافٌ وَقَعَ فِي الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ فَلَمْ يَصِحَّ إثْبَاتُهُ بِالرَّأْيِ وَلَا نَفْيُهُ بِهِ إنَّمَا يَجِبُ الْكَلَامُ فِيهِ بِإِشَارَةِ النَّصِّ أَوْ دَلَالَتِهِ أَوْ اقْتِضَائِهِ وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي السَّفَرِ أَنَّهُ مُسْقِطٌ لِشَطْرِ الصَّلَاةِ أَمْ لَا لَا يَصِحُّ التَّكَلُّمُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ بَلْ بِمَا ذَكَرْنَا فَقُلْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْجِنْسِ إنَّا وَجَدْنَا الْفَضْلَ الَّذِي لَا يُقَابِلُهُ عِوَضٌ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ مُحَرَّمًا بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْعِلَّةِ، وَوَجَدْنَا هَذَا حُكْمًا يَسْتَوِي شُبْهَتُهُ بِحَقِيقَتِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْبَيْعُ مُجَازَفَةً لِاحْتِمَالِ الرِّبَا وَقَدْ وَجَدْنَا فِي النَّسِيئَةِ شُبْهَةَ الْفَضْلِ وَحُلُولَ الْفَضْلِ وَحُلُولَ الْمُضَافِ إلَى صُنْعِ الْعِبَادِ وَقَدْ وَجَدْنَا شُبْهَةَ الْعِلَّةِ وَهُوَ أَحَدُ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ فَأَثْبَتْنَاهُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَخِيرِ بَلْ يُعْرَفُ بِهِ الْحُكْمُ وَتَمَسَّكَ مَنْ أَنْكَرَ جَرَيَانَ الْقِيَاسِ فِي الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ أَصْلًا بِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْقِيَاسِ مِنْ مَعْنًى جَامِعٍ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَإِذَا قِسْنَا اللِّوَاطَةَ عَلَى الزِّنَا مَثَلًا فِي كَوْنِهَا سَبَبًا لِلْحَدِّ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقُولَ: الزِّنَا سَبَبٌ لِلْحَدِّ بِوَصْفٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللِّوَاطَةِ لِيُمْكِنَ جَعْلُ اللِّوَاطَةِ سَبَبًا أَيْضًا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ وَيَخْرُجُ الزِّنَا وَاللُّوَاطَةُ عَنْ كَوْنِهِمَا مُوجِبَيْنِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمَّا اسْتَنَدَا أَنَّ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكَ اسْتَحَالَ مَعَ ذَلِكَ اسْتِنَادُهُ إلَى خُصُوصِيَّةٍ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْقِيَاسِ بَقَاءُ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَالْقِيَاسُ فِي الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ يُنَافِي فِي بَقَاءِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الْأَحْكَامِ فَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُعَلَّلًا بِالْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَرْعِ (فَإِنْ قِيلَ) : الْجَامِعُ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ لَا يَكُونُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي حُكْمٍ بَلْ تَأْثِيرُهُ فِي عِلِّيَّةِ الْوَصْفَيْنِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ فَإِنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْوَصْفَيْنِ (قُلْنَا) هَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ مَا يَصْلُحُ لِعِلِّيَّةِ الْعِلَّةِ كَانَ صَالِحًا لِعِلِّيَّةِ الْحُكْمِ فَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى الْوَاسِطَةِ.
قَوْلُهُ (فَأَمَّا تَفْسِيرُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ) أَيْ بَيَانُ مِثَالِهِ فَمِثْلُ قَوْلِهِمْ أَيْ اخْتِلَافُهُمْ يَعْنِي اخْتِلَافَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ هَلْ يُحَرِّمُ النَّسِيئَةَ أَوْ لَا؟ هَذَا خِلَافٌ أَيْ اخْتِلَافٌ وَقَعَ فِي الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ فَلَمْ يَصِحَّ إثْبَاتُهُ أَيْ إثْبَاتُ كَوْنِ الْجِنْسِ مُوجِبًا لِلْحُكْمِ بِالرَّأْيِ؛ لِأَنَّا لَا نَجِدُ أَصْلًا نَقِيسُهُ عَلَيْهِ وَلَا نَفْيُهُ بِالرَّأْيِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَنْ يَنْفِي إنَّمَا يَتَمَسَّكُ بِالْعَدَمِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ فَعَلَيْهِ الِاشْتِغَالُ بِإِفْسَادِ دَلِيلِ خَصْمِهِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى ثَبَتَ أَنَّ مَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ دَلِيلٌ صَحِيحٌ لَا يَبْقَى لَهُ حَقُّ التَّمَسُّكِ بِعَدَمِ الدَّلِيلِ أَمَّا الِاشْتِغَالُ بِالتَّعْلِيلِ لِيَثْبُتَ الْعَدَمُ بِهِ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ إنَّمَا يَجِبُ الْكَلَامُ فِيهِ أَيْ فِي الْمُوجِبِ أَوْ فِي أَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسِيئَةَ بِإِشَارَةِ النَّصِّ أَوْ دَلَالَتِهِ أَوْ اقْتِضَائِهِ؛ لِأَنَّهُ الثَّابِتُ بِالنَّصِّ فَقُلْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْجِنْسِ كَذَا يَعْنِي أَثْبَتْنَا سَبَبَهُ الْجِنْسَ بِالِاسْتِدْلَالِ لَا بِالتَّعْلِيلِ فَإِنَّا وَجَدْنَا الْفَضْلَ الَّذِي لَا يُقَابِلُهُ عِوَضٌ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ مُحَرَّمًا بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعِلَّةِ وَهِيَ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ يَعْنِي ثَبَتَ حُرْمَةُ الْفَضْلِ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَالْفَضْلُ رِبًا» وَبِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّ مَنْ بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يُسْلِمَ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ ثَوَابًا لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْعِوَضِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ فَضْلُ مَالٍ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَثَبَتَ بِإِشَارَةِ النَّصِّ أَنَّ عِلَّةَ حُرْمَةِ هَذَا الْفَضْلِ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ عَلَى مَا هُوَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْقِيَاسِ وَوَجَدْنَا أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ أَيْ تَحْرِيمَ الْفَضْلِ حُكْمًا يَسْتَوِي شُبْهَتُهُ بِحَقِيقَتِهِ بِالْخَبَرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ الرِّبَا أَوْ الرِّيبَةِ أَيْ عَنْ الْفَضْلِ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ وَشُبْهَتِهِ.
وَبِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ بِصُبْرَةِ حِنْطَةٍ وَغَالِبُ رَأْيِهِمَا أَنَّهُمَا شَيْئَانِ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ الْفَضْلِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الشُّبْهَةُ مُلْحَقَةً بِالْحَقِيقَةِ لَجَازَ الْبَيْعُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْفَضْلِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ الْمَانِعُ مِنْ الصِّحَّةِ وَقَدْ وَجَدْنَا فِي النَّسِيئَةِ شُبْهَةَ الْفَضْلِ وَهِيَ الْحُلُولُ فَإِنَّ النَّقْدَ خَيْرٌ مِنْ النَّسِيئَةِ وَهُوَ يُشْبِهُ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ مَرْغُوبٌ فِيهَا؛ وَلِهَذَا يَنْقُصُ الثَّمَنُ إذَا كَانَ حَالًّا وَيُزَادُ إذَا كَانَ نَسِيئَةً بِمَنْزِلَةِ الْجَوْدَةِ فَإِنَّ الثَّمَنَ يَنْقُصُ عِنْدَ وُجُودِ الْجَوْدَةِ وَيُزَادُ عِنْدَ فَوَاتِهَا.
وَلَا يُقَالُ هَذَا فَضْلٌ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ عَفْوًا كَالْفَضْلِ مِنْ حَيْثُ الْجَوْدَةُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا سَقَطَ فِي الشَّرْعِ اعْتِبَارُ التَّفَاوُتِ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ فِيمَا ثَبَتَ بِصُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَإِنَّ الِاحْتِرَازَ يَتَعَذَّرُ عَنْهُ فَأَمَّا مَا حَصَلَ