وَلَا دَلِيلًا شَرْعِيًّا؛ وَلِأَنَّهُ دَعْوًى لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْمُعَارَضَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ خَصْمٍ يَحْتَجْ بِمِثْلِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ عَلَى خَصْمِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَقُولُ: عِنْدِي كَذَا فَالْخَصْمُ يُعَارِضُهُ بِمِثْلِهِ فَيَقُولُ عِنْدِي كَذَا وَدَلَائِلُ الشَّرْعِ لَا يَحْتَمِلُ لُزُومَ الْمُعَارَضَةِ كَمَا لَا يَحْتَمِلُ لُزُومَ الْمُنَاقَضَةِ وَأَمَّا الْعَرْضُ عَلَى الْأُصُولِ فَلَا يَقَعُ بِهِ التَّعْدِيلُ؛ لِأَنَّ الْأُصُولَ شُهُودُ لَا مُزَكُّونَ وَأَنَّى لَهَا التَّزْكِيَةُ مِنْ غَيْرِ دَرْكٍ الْأَحْوَالِ الشَّاهِدِ وَمُعَايَنَتِهِ وَهَلْ يَصِحُّ التَّزْكِيَةُ مِمَّنْ لَا خَبَرَ لَهُ وَلَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِالشُّهُودِ فَأَمَّا فَرْقُهُمْ بِأَنَّ الشَّاهِدَ مُبْتَلًى بِالطَّاعَةِ مَنْهِيٌّ عَنْ الْمَعْصِيَةِ فَيُتَوَهَّمُ سُقُوطُ شَهَادَتِهِ بِخِلَافِ الْوَصْفِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ مَعَ كَوْنِهِ مُلَائِمًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ عِلَّةٍ بِذَاتِهِ بَلْ يَجْعَلُ الشَّرْعَ إيَّاهُ عِلَّةً فَكَانَ الِاحْتِمَالُ فِي الْمُعْتَرَضِ عَلَى أَصْلِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَلَامُنَا فِيمَا يَصْلُحُ حُجَّةً عَلَى الْغَيْرِ وَلَا دَلِيلًا شَرْعِيًّا يَعْنِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَصْلُحْ دَلِيلًا عَلَى الْخَصْمِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا لِأَنَّ مَا جُعِلَ دَلِيلًا فِي الشَّرْعِ يَصْلُحُ لِلْإِلْزَامِ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى الْجَمِيعِ، أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَمَا لَا يَصْلُحُ لِلْإِلْزَامِ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا شَرْعِيًّا يَصِحُّ الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ بَابِ الْإِلْهَامِ وَالْإِلْهَامُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَصْلًا، أَوْ أَنَّهُ كَمَا لَا يَصْلُحُ لِلْإِلْزَامِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى أَدِلَّةِ الشَّرْعِ عَلَى الظُّهُورِ يَقِفُ عَلَيْهَا كُلُّ وَاحِدٍ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَقِفُ عَلَيْهِ غَيْرُ صَاحِبِهِ وَلِأَنَّهُ دَعْوَى لَا تَنْفَكُّ عَنْ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ وَقَعَ فِي قَلْبِي خَيَالٌ أَنَّ هَذَا حَقٌّ يَتَمَكَّنُ الْخَصْم مِنْ أَنْ يَقُولَ: وَقَعَ فِي قَلْبِي خَيَالٌ أَنَّهُ فَاسِدٌ، أَوْ وَقَعَ فِي قَلْبِي خَيَالٌ أَنَّ عِلَّتِي صَحِيحَةٌ فَيَصِيرُ بِهِ مُعَارِضًا وَهَذِهِ مُعَارَضَةٌ لَازِمَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْدَفِعُ بِوَجْهٍ.

وَالْحُجَّةُ إذَا لَمْ تَنْفَكُّ عَنْ الْمُعَارَضَةِ لَمْ تَكُنْ حُجَّةً؛ لِأَنَّ حُجَجَ الشَّرْعِ لَا تَحْتَمِلُ لُزُومَ الْمُعَارَضَةِ كَمَا لَا تَحْتَمِلُ لُزُومَ الْمُنَاقَضَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَمَارَاتِ الْعَجْزِ وَالْجَهْلِ وَالسَّفَهِ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ مُنَزَّهٌ عَنْهَا وَأَمَّا الْعَرْضُ عَلَى الْأُصُولِ فَلَا يَقَعُ بِهِ التَّعْدِيلُ؛ لِأَنَّ الْأُصُولَ شُهُودٌ لَا مُزَكُّونَ عَلَى مَا زَعَمُوا فَإِنَّ كُلَّ أَصْلٍ شَاهِدٌ مِثْلُ الْأَصْلِ الْمُعَلِّلِ، وَأَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ النُّصُوصُ مُوَافِقَةً لِلْوَصْفِ فَيَحْصُلُ بِهِ كَثْرَةُ النَّظَائِرِ وَبِكَثْرَةِ النَّظِيرِ لَا يَحْدُثُ قُوَّةٌ فِي الْوَصْفِ كَالشَّاهِدِ إذْ الْخَصْمُ إلَيْهِ أَمْثَالُهُ لَا يَظْهَرُ بِهِ عَدَالَتُهُ هَذَا إنْ جَعَلَ الْوَصْفَ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ وَإِنْ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ بِكَثْرَةِ الشُّهُودِ لَا تَطْهُرُ صِحَّةُ الشَّهَادَةِ وَقَوْلُهُمْ فَائِدَةُ الْعَرْضِ مَعْرِفَةُ عَدَمِ مَا يَنْقُضُ الْوَصْفَ أَوْ يُعَارِضُهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا يَحْصُلُ إذَا كَانَتْ الْأُصُولُ مَحْصُورَةً وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ فَأَمَّا فَرْقُهُمْ أَيْ فَرْقُ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْوَصْفِ بِأَنَّ الشَّاهِدَ مُبْتَلًى بِالطَّاعَةِ مَنْهِيٌّ عَنْ الْمَعْصِيَةِ فَبَعْدَ صَلَاحِهِ لِلشَّهَادَةِ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ مَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَهَادَتِهِ لِبَقَاءِ اخْتِبَارِهِ فَيَجِبُ عَرْضُ حَالِهِ عَلَى الْمُزَكِّينَ بِخِلَافِ الْوَصْفِ فَإِنَّهُ بَعْدَ مُلَاءَمَتِهِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَحْدُثُ فِيهِ مَا يُبْطِلُ صَلَاحِيَّتَهُ فَيَكُونُ الْعَرْضُ فِيهِ احْتِيَاطًا لَا حَتْمًا فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ بَعْدَ وُجُودِ الْمُلَاءَمَةِ فِيهِ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ عِلَّةً كَالْأَكْلِ نَاسِيًا مَعَ صَلَاحِهِ عِلَّةً لِلْإِفْطَارِ لَمْ يُجْعَلْ عِلَّةً لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِذَاتِهِ بَلْ بِجَعْلِ الشَّرْعِ إيَّاهُ عِلَّةً فَتَمَكَّنَ فِي أَصْلِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمُلَاءَمَةِ احْتِمَالُ أَنَّهُ عِلَّةٌ أَمْ لَا فَإِنْ وَرَدَ عَلَيْهِ مُعَارِضٌ، أَوْ مُنَاقِضٌ ظَهَرَ أَنَّ الشَّرْعَ مَا جَعَلَهُ عِلَّةً؛ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ وَالْمُنَاقَضَةَ اللَّازِمَتَيْنِ لَا تَكُونَانِ فِي حُجَجِ الشَّرْعِ.

وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ بَقِيَ مُحْتَمَلًا فَكَانَ الِاحْتِمَالُ فِي أَصْلِهِ أَيْ فَكَانَ اعْتِبَارُ الِاحْتِمَالِ الْمُتَمَكِّنِ فِي أَصْلِ الْوَصْفِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الِاحْتِمَالِ الْمُتَمَكِّنِ فِي الْمُعْتَرِضِ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْفِسْقُ الْمُعْتَرِضُ عَلَى الْعَدَالَةِ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّاهِدِ هُوَ الْعَدَالَةُ وَفِي كَلَامِهِ الصِّدْقُ نَظَرًا إلَى الْعَقْلِ وَالدِّينِ الزَّاجِرَيْنِ عَنْ الْقَبِيحِ، ثُمَّ لَوْ ثَبَتَ الْمُحْتَمَلُ فِي الْوَصْفِ الْمُلَائِمِ، وَهُوَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ إيَّاهُ لَمْ يَبْقَ عِلَّةٌ أَصْلًا مَعَ مُلَاءَمَتِهِ وَلَوْ ثَبَتَ الْمُحْتَمَلُ فِي الشَّاهِدِ وَهُوَ الْفِسْقُ بَقِيَ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ فِيهِ لِبَقَاءِ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْإِسْلَامِ فَكَانَ الِاحْتِمَالُ فِي الْوَصْفِ أَقْوَى مِنْ الِاحْتِمَالِ فِي الشَّاهِدِ فَلَمَّا مُنِعَ الِاحْتِمَالُ فِي الْعَارِضِ عَنْ الْعَمَلِ بِشَهَادَةِ الْمَسْتُورِ فَلَأَنْ يُمْنَعَ الِاحْتِمَالُ فِي الْأَصْلِ عَنْ الْعَمَلِ بِالْوَصْفِ كَانَ أَوْلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015