وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى أَنَّ الْأَثَرَ مَعْنًى لَا يُعْقَلُ فَنُقِلَ عَنْهُ إلَى شَهَادَةِ الْقَلْبِ، وَهُوَ الْخَيَالُ، وَهُوَ كَالتَّحَرِّي جَعْلُ حُجَّةٍ بِشَهَادَةِ الْقَلْبِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِسَائِرِ الْأَدِلَّةِ، ثُمَّ الْعَرْضُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلِاحْتِيَاطِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَعْتَرِضَ فِيهِ بَعْدَ أَصْلِ الْأَهْلِيَّةِ مَا يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ مِنْ فِسْقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَمَّا الْوَصْفُ فَلَا يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فَإِذَا كَانَ مُلَائِمًا غَيْرَ نَابٍ صَارَ صَالِحًا وَإِذَا كَانَ مُخَيَّلًا كَانَ مُعَدَّلًا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى مِثَالِ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ كَانَ صَالِحًا كَالشَّاهِدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُعَارَضَةُ دَفْعٌ أَيْ أَنَّهَا لَا تَمْنَعُ الْوَصْفَ عَنْ الْعِلِّيَّةِ وَلَكِنْ تَدْفَعُ الْحُكْمَ كَإِقَامَةِ الشُّهُودِ عَلَى الْإِلْغَاءِ، أَوْ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ شَهَادَةَ شُهُودِ الْمُدَّعِي وَلَكِنْ تَدْفَعُ حُكْمَهَا، وَهُوَ الْإِلْزَامُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ صَيْرُورَةُ الْوَصْفِ حُجَّةً عَلَى انْقِطَاعِ احْتِمَالِهِمَا كَمَا لَا يَتَوَقَّفُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ عَلَى انْقِطَاعِ احْتِمَالِ الْجَرْحِ وَالدَّفْعِ احْتَجَّ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى وَهُمْ الَّذِينَ أَثْبَتُوا الْعَدَالَةَ بِالْإِخَالَةِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا التَّأْثِيرَ بِأَنَّ الْأَثَرَ مَعْنًى مِنْ الْوَصْفِ لَا يُحَسُّ لِيُعْلَمَ بِالْحِسِّ وَلَكِنَّهُ مِمَّا يُعْقَلُ أَيْ يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ فَكَانَ طَرِيقُ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ تَحْكِيمُ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْأَدِلَّةِ الْمَحْسُوسَةِ فَإِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ خَيَالُ الْقَبُولِ وَأَثَرُ الْحُجَّةِ صَارَ حُجَّةً لِلْعَمَلِ بِهِ كَذَا ذُكِرَ فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالتَّقْوِيمِ وَغَيْرِهِمَا.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْأَثَرَ مَعْنًى لَا يُعْقَلُ وَأَرَادَ بِهِ أَنَّ الْأَثَرَ مِنْ الْوَصْفِ لَيْسَ بِمَعْنَى يُوجِبُهُ الْعَقْلُ وَيَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوَصْفِ عِلَّةٌ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ إذْ الْعَقْلُ لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّ أَثَرَهُ إذَا ثَبَتَ شَرْعًا لَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ أَنَّهُ أَثَرُهُ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ غَيْرُ مَحْسُوسٍ وَلَا مَعْقُولٍ وَجَبَ النَّقْلُ عَنْهُ إلَى شَهَادَةِ الْقَلْبِ الَّتِي هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْأَدِلَّةِ، وَهُوَ كَالتَّحَرِّي أَيْ جَعْلُ الْوَصْفِ حُجَّةَ شَهَادَةِ الْقَلْبِ: مِثْلُ جَعْلِ التَّحَرِّي حُجَّةً فِي بَابِ الْقِبْلَةِ بِشَهَادَةِ الْقَلْبِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِسَائِرِ الْأَدِلَّةِ الْمَحْسُوسَةِ وَيُؤَيِّدُهُ «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ ضَعْ يَدَك عَلَى صَدْرِك وَاسْتَفْتِ قَلْبَك فَمَا حَاكَ فِي صَدْرِك فَدَعْهُ وَإِنْ أَفْتَاك النَّاسُ بِهِ» فَثَبَتَ أَنَّ الْعَدَالَةَ تَحْصُلُ بِالْإِخَالَةِ.
ثُمَّ الْعَرْضُ أَيْ عَرْضُ الْوَصْفِ عَلَى الْأُصُولِ بَعْدَ ثُبُوتِ إخَالَتِهِ لِلِاحْتِيَاطِ لَا لِلْوُجُوبِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ مَعْلُومَ الْعَدَالَةِ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنَّ الْعَمَلَ بِشَهَادَتِهِ جَائِزٌ لَهُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْمُزَكِّينَ بَعْدَ ذَلِكَ نَوْعُ احْتِيَاطٍ لِجَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ بِالْعَرْضِ عَلَيْهِمْ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَهُ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ الْمَسْتُورِ الْحَالِ حَيْثُ يَجِبُ الْعَرْضُ عَلَى الْمُزَكِّينَ لِتُعْرَفَ حَالُهُ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ هُوَ الْعَدَالَةَ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الشَّاهِدَ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَعْتَرِضَ فِيهِ بَعْدَ وُجُودِ أَصْلِ الْأَهْلِيَّةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْإِسْلَامِ مَا يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ مِنْ فِسْقٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ رِدَّةٍ وَحُدُوثِ زَوْجِيَّةٍ وَإِقَامَةِ حَدٍّ فِي قَذْفٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَالُهُ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي لَا يَثْبُتُ عَدَالَتُهُ عِنْدَهُ مَعَ احْتِمَالِ هَذِهِ الْعَوَارِضِ مَا لَمْ يَعْرِضْ عَلَى الْمُزَكِّينَ، فَأَمَّا الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ بَعْدَمَا ثَبَتَ صِفَةُ الصَّلَاحِيَّةِ فِيهِ فَلَا يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ أَيْ مِثْلُ مَا احْتَمَلَ الشَّاهِدُ مِنْ اعْتِرَاضِ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عِلَّةً بَعْدَمَا ثَبَتَتْ صَلَاحِيَّتُهُ بِالْمُلَاءَمَةِ وَعَدَالَتُهُ بِالْإِحَالَةِ فَكَانَ الْعَرْضُ عَلَى الْأُصُولِ هَاهُنَا احْتِيَاطًا، فَإِنْ سَلِمَ عَمَّا يُنَاقِضُهُ وَيُعَارِضُهُ بِكَوْنِهِ مُطَرِّدًا فِي الْأُصُولِ فَحُكْمُ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ يَزْدَادُ وَكَادَةً وَإِنْ وَرَدَ عَلَيْهِ نَقْصٌ فَذَلِكَ يَكُونُ جَرْحًا بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ الَّذِي هُوَ مَعْلُومُ الْعَدَالَةِ إذْ ظَهَرَ فِيهِ طَعْنٌ مِنْ بَعْضِ الْمُزَكِّينَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ جَرْحًا فِي عَدَالَتِهِ لَا أَنْ يَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مُعَارِضٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ دَفْعًا بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ آخَرَ يَشْهَدُ بِخِلَافِ مَا شَهِدَ بِهِ الْأَوَّلُ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
1 -
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ: وَهُوَ إثْبَاتُ عَدَالَةِ الْوَصْفِ بِالْعَرْضِ عَلَى الْأُصُولِ أَنَّهُ أَيْ الْوَصْفَ إذَا كَانَ صَالِحًا عَلَى مِثَالِ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ غَيْرَ نَابٍ عَنْ الْحُكْمِ كَانَ صَالِحًا لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ