وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَدَالَتُهُ بِكَوْنِهِ مُخَيَّلًا ثُمَّ الْعَرْضُ عَلَى الْأُصُولِ احْتِيَاطًا سَلَامَتُهُ عَنْ الْمُنَاقَضَةِ وَالْمُعَارَضَةِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: بَلْ عَدَالَتُهُ بِالْعَرْضِ عَلَى الْأُصُولِ فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ أَصْلٌ مُنَاقِضًا وَلَا مُعَارِضًا صَارَ مُعَدَّلًا وَإِنَّمَا يُعْرَضُ عَلَى أَصْلَيْنِ فَصَاعِدًا فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَصِحُّ الْعَمَلُ بِهِ قَبْلَ الْعَرْضِ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَصِيرُ حُجَّةً وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ صَارَ حُجَّةً بِكَوْنِهِ مُخَيَّلًا، وَإِنَّمَا النَّقْضُ جَرْحٌ وَالْمُعَارَضَةُ دَفْعٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَكَثِّرِ بِعُذْرِ الْإِغْمَاءِ فَإِنَّ تَأْثِيرَ جِنْسِهِ وَهُوَ عُذْرُ الْجُنُونِ وَالْحَيْضِ ظَهَرَ فِي عَيْنِهِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ لُزُومِ الْمَشَقَّةِ وَالْحَرَجِ وَالرَّابِعُ - مَا ظَهَرَ أَثَرُ جِنْسِهِ فِي جِنْسِ ذَلِكَ الْحُكْمِ كَإِسْقَاطِ الصَّلَوَاتِ عَنْ الْحَائِضِ بِالْمَشَقَّةِ فَإِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ تَأْثِيرُ جِنْسِهِ، وَهُوَ مَشَقَّةُ السَّفَرِ فَإِنَّ مَشَقَّةَ السَّفَرِ لَيْسَتْ عَيْنُ مَشَقَّةِ الْحَائِضِ فِي جِنْسِ هَذَا الْحُكْمِ، وَهُوَ إسْقَاطُ الرَّكْعَتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَيْنُ الْإِسْقَاطِ عَنْ الْحَائِضِ فَإِنَّ هَذَا إسْقَاطُ أَصْلِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ إسْقَاطُ الْبَعْضِ.
وَلَكِنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ الْقَرِيبِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَخْفِيفٌ فِي الصَّلَاةِ وَكَتَعْلِيلِ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ فِي إيجَابِ الْقِصَاصِ بِجِنَايَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فَإِنَّ جِنْسَ الْجِنَايَةِ الْعَمْدِ مُعْتَبَرٌ فِي جِنْسِ الْقِصَاصِ كَالْأَطْرَافِ مَعَ أَنَّهُ ظَهَرَ تَأْثِيرُ عَيْنِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِي عَيْنِ الْخَصْمِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي الْمُحَدَّدِ.
1 -
ثُمَّ قَالَ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْقَائِسِينَ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى أَنَّهَا حُجَّةٌ، وَالْقِسْمُ الْأَخِيرُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَهُمْ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ حُجَّةٌ لِكَوْنِهِ مُغَلَّبًا عَلَى الظَّنِّ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَدَالَتُهُ بِكَوْنِهِ مُخَيَّلًا) أَيْ مُوقِعًا فِي الْقَلْبِ خَيَالَ الْقَبُولِ وَالصِّحَّةِ فَيَثْبُتُ صِحَّتُهُ بِشَهَادَةِ الْقَلْبِ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِمْ أَنَّ الْإِخَالَةَ مِنْ أَخَالَتْ السَّمَاءُ إذَا كَانَتْ تُرْجِي الْمَطَرَ؛ لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ تُرْجِي الْعِلِّيَّةَ لِإِشْعَارِهَا بِهَا، ثُمَّ الْعَرْضُ عَلَى الْأُصُولِ احْتِيَاطًا أَيْ بَعْدَ ثُبُوتِ الْإِخَالَةِ يُعْرَضُ الْوَصْفُ عَلَى الْأُصُولِ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ لَا بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ لِيَتَحَقَّقَ سَلَامَتُهُ عَنْ الْمُنَاقَضَةِ وَالْمُعَارَضَةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مُنَاقَضَةَ الْوَصْفِ إبْطَالُ نَفْسِهِ بِأَثَرٍ، أَوْ نَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ يَرِدُ عَلَى خِلَافِهِ أَوْ إيرَادِ صُورَةٍ تَخَلَّفَ الْحُكْمُ فِيهَا عَنْ الْوَصْفِ، وَمُعَارَضَةُ الْوَصْفِ إيرَادُ وَصْفٍ آخَرَ يُوجِبُ خِلَافَ مَا أَوْجَبَهُ ذَلِكَ لَهُ بِوَصْفٍ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِنَفْسِ الْوَصْفِ، ثُمَّ مَعْنَى عَرْضِ الْوَصْفِ عَلَى الْأُصُولِ أَنْ يُقَابَلَ بِقَوَانِينِ الشَّرْعِ فَإِنْ طَابَقَهَا وَسَلَّمَ عَنْ الْمُبْطِلَاتِ وَالْعَوَارِضِ فَقَدْ شَهِدَتْ الْأُصُولُ بِصِحَّتِهِ وَصَارَ حُجَّةً.
وَقَالَ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ نَاقِلًا عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ: مِثَالُ شَهَادَةِ الْأُصُولِ قَوْلُنَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي إنَاثِ الْخَيْلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي ذُكُورِهَا فَالْأُصُولُ شَاهِدَةٌ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَسُقُوطِهَا قَالَ وَهَذَا طَرِيقٌ يَقْضِي إلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا عَلِمَ أَنَّ فُلَانًا إذَا أَعْطَى بَنَاتِهِ شَيْئًا يُعْطِي بَنِيهِ مِثْلَهُ فَإِذَا سَمِعَ أَنَّهُ أَعْطَى الْبَنَاتَ شَيْئًا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إعْطَاءُ الْبَنِينَ مِثْلَهُ فَثَبَتَ أَنَّ شَهَادَةَ الْأُصُولِ دَلِيلُ الصِّحَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ وَمِنْ نَظِيرِهِ قَوْلُ الْمُعَلِّلِ مَنْ صَحَّ طَلَاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ وَقَوْلُهُ مَنْ لَزِمَهُ الْعُشْرُ لَزِمَهُ رُبُعُ الْعُشْرِ حَتَّى يَجِبَ الزَّكَاةُ عَلَى الصَّبِيِّ.
وَقَوْلُهُ مَا حَرُمَ فِيهِ النَّسَاءُ حَرُمَ فِيهِ التَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ، قَالَ وَأَمْثَالُ هَذَا تَكْثُرُ، فَالْأُصُولُ تَشْهَدُ بِصِحَّةِ هَذَا التَّعْلِيلِ، وَإِنَّمَا تَعَرَّضَ عَلَى أَصْلَيْنِ فَصَاعِدًا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَدْنَى مَا يَكْفِي لِذَلِكَ أَيْ لِلْعَرْضِ أَصْلَانِ بِمَنْزِلَةِ عَدَالَةِ الشَّاهِدِ فَإِنَّ مَعْرِفَتَهَا بِعَرْضِ حَالِهِمْ عَلَى الْمُزَكِّينَ وَأَدْنَى مَا يَكْفِي لِذَلِكَ عِنْدَهُ اثْنَانِ يَصِحُّ الْعَمَلُ بِهِ أَيْ بِالْوَصْفِ الْمُخَيَّلِ لِأَنَّهُ أَيْ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ بِالْعَرْضِ يَصِيرُ حُجَّةً وَإِنَّمَا النَّقْضُ جَرْحٌ أَيْ النَّقْضُ يَجْرَحُ الْوَصْفَ بَعْدَ صِحَّتِهِ فَيُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ حُجَّةً كَجَرْحِ الشَّاهِدِ بِالرِّقِّ يُخْرِجُ كَلَامَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَهَادَةً بَعْدَمَا صَحَّ ظَاهِرًا