وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ الْوُضُوءَ صَحَّ مَعَ هَذَا بِغَيْرِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ ثَبَتَ فِي مَحَلِّ الْعَمَلِ بِوَجْهٍ لَا يُعْقَلُ فَبَقِيَ الْمَاءُ عَامِلًا بِطَبْعِهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يُعْقَلُ، وَهَذِهِ حُدُودٌ لَا يُهْتَدَى لِدَرْكِهَا إلَّا بِالتَّأَمُّلِ وَالْإِنْصَافِ وَتَعْظِيمِ حُدُودِ الشَّرْعِ وَتَوْقِيرِ السَّلَفِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مِنَّةً مِنْ اللَّهِ وَفَضْلًا.
(بَابُ الرُّكْنِ)
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رُكْنُ الْقِيَاسِ مَا جُعِلَ عَلَمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ النَّصُّ وَجُعِلَ الْفَرْعُ نَظِيرًا لَهُ فِي حُكْمِهِ بِوُجُودِهِ فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُزَالِ فِيمَا لَا حَرَجَ فِي خَبَثِهِ عَلَى إثْبَاتِهِ فِيمَا فِيهِ حَرَجٌ فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ قِيَاسًا وَدَلَالَةً وَلَا يُقَالُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُزَالُ فِي الْمَحَلِّ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الْمَائِعِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الصَّلَاةُ بِدُونِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّا لَا نُنْكِرُ وُجُودَ الْمَانِعِ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي الْمَحَلِّ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: إنَّهُ لَا يَصِيرُ مُزَالًا بِاسْتِعْمَالِ الْمَائِعِ؛ لِأَنَّ إزَالَتَهُ بِالْمَاءِ تَثْبُتُ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْمَانِعِ أَوْ نَقُولُ: هُوَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْمَنْعِ عَنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي حَقِّ اسْتِعْمَالِ الْمَائِعِ وَظُهُورِ أَثَرِ طَهُورِيَّتِهِ بِإِزَالَتِهِ وَصَيْرُورَتِهِ خَبِيثًا بِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِ بَقِيَ غَيْرَ طَهُورٍ لِتَوَقُّفِ الطَّهُورِيَّةِ عَلَى الْإِزَالَةِ فَكَانَ اسْتِعْمَالُهُ وَعَدَمُ اسْتِعْمَالِهِ سَوَاءً.
1 -
قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ) يَعْنِي عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْوُضُوءَ صَحَّ مَعَ هَذَا أَيْ مَعَ أَنَّ الْمُزَالَ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى بِغَيْرِ النِّيَّةِ يَعْنِي لِمَا اعْتَبَرَتْ جَانِبَ الْمُزَالِ فِي الْوُضُوءِ وَمَنَعَتْ عَنْ إلْحَاقِ غَيْرِ الْمَاءِ بِهِ لِكَوْنِ الْمُزَالِ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى أَنْ يَنْبَغِيَ أَنْ تُشْتَرَطَ النِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ لِثُبُوتِ الطَّهَارَةِ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى كَمَا فِي التَّيَمُّمِ فَقَالَ: الْمَاءُ مُطَهِّرٌ بِطَبْعِهِ لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ مَعْنَى لَا يُعْقَلُ، وَإِنَّمَا حَدَثَ فِي الْمَحَلِّ نَجَاسَةُ غَيْرِ الْمَعْقُولِ حَتَّى صَارَ الْمَاءُ مُطَهِّرًا وَمُزِيلًا لَهُ، وَالنِّيَّةُ مِنْ شَرَائِطِ الْعَمَلِ فَإِذَا بَقِيَ الْمَاءُ طَهُورًا بِطَبْعِهِ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّطْهِيرِ مُطَهِّرًا بِخِلَافِ التُّرَابِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُطَهِّرٍ بِنَفْسِهِ بَلْ فِيهِ تَلْوِيثٌ.
وَإِنَّمَا جَعَلَهُ الشَّرْعُ مُطَهِّرًا، وَكَسَاهُ صِفَةَ الطَّهُورِيَّةِ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ فَيُشْتَرَطُ لِطَهُورِيَّتِهِ إرَادَةُ الصَّلَاةِ، فَإِذَا وُجِدَتْ حَدَثَتْ لَهُ صِفَةُ الطَّهُورِيَّةِ فَالْتَحَقَ بِالْمَاءِ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ كَذَا فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذِهِ الْمَسَائِلُ لَا يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ فِيهَا إلَّا بَعْدَ تَمْيِيزِ الْآلَةِ مِنْ الرُّكْنِ فَالرُّكْنُ بِالْإِجْمَاعِ لَا يَقُومُ مَقَامَ رُكْنٍ، وَالْآلَةُ يَقُومُ مَقَامَ الْآلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ الرُّكْنِ) قَوْلُهُ (رُكْنُ الْقِيَاسِ مَا جُعِلَ عَلَمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ) رُكْنُ الشَّيْءِ جَانِبُهُ الْأَقْوَى لُغَةً وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ رُكْنُ الشَّيْءِ مَا لَا وُجُودَ لِذَلِكَ الشَّيْءِ إلَّا بِهِ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِلصَّلَاةِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْقِيَاسِ وُجُودٌ إلَّا بِالْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَنَاطُ الْحُكْمِ كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى رُكْنًا فِيهِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ عَلَمًا؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْعِلَلُ أَمَارَاتٌ عَلَى الْأَحْكَامِ فِي الْحَقِيقَةِ لَا مُوجِبَاتٌ فَكَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مُعَرِّفًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ فِي الْمَحَلِّ، وَهُوَ مَعْنَى الْعَلَمِ.
ثُمَّ الْحُكْمُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُضَافًا إلَى النَّصِّ وَفِي الْفَرْعِ إلَى الْعِلَّةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَالْقَاضِي الْإِمَامِ وَالشَّيْخَيْنِ وَمُتَابَعِيهِمْ بِكَوْنِ ذَلِكَ الْمَعْنَى عَلَمًا عَلَى وُجُودِ حُكْمِ النَّصِّ فِي الْفَرْعِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ جَمِيعًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَعْنَى عَلَمًا عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ النَّصِّ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مَعًا وَذَكَرَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مُشْتَمِلَةً عَلَى حِكْمَةٍ صَالِحَةً لَأَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ لَا بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ الْمُجَرَّدَةِ، لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُجَرَّدَ أَمَارَةٍ وَهِيَ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ لَزِمَ الدَّوْرُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا مُسْتَنْبَطَةً مِنْ