وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَزُولُ بِسَائِرِ الْمَائِعَاتِ لِأَنَّ عَمَلَ الْمَاءِ لَا يَثْبُتُ فِي مَحَلِّ الْحَدَثِ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْمُزَالِ وَذَلِكَ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ ثَبَتَ فِي مَحَلِّ الْغُسْلِ غَيْرُ مَعْقُولٍ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الَّذِي يُوجَدُ مُبَاحًا لَا يُبَالِي بِخَبَثِهِ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ إثْبَاتُهُ فِي أَوَانِ اسْتِعْمَالِ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ بِالرَّأْيِ هُوَ مِمَّا لَا يُعْقَلُ مَعَ أَنَّ سَائِرَ الْمَائِعَاتِ يَلْحَقُنَا الْحَرَجُ بِخُبْثِهَا لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ لَا تُوجَدُ مُبَاحَةً غَالِبًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَقِّهِ بِالنَّصِّ ضَرُورَةَ إمْكَانِ التَّطْهِيرِ بِهِ، وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ فِي غَيْرِهِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ضَرُورَةً لِانْدِفَاعِهَا بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَاءَ تَنَجَّسَ بِالْغُسْلِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى تَنَجَّسَ لَمْ يَبْقَ طَهُورًا، فَإِنَّ هَذَا الِاسْمَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا حَالَةَ الْغُسْلِ؛ إذْ لَا حَقِيقَةَ لِلطَّهُورِيَّةِ إلَّا حَالَةَ الْغُسْلِ فَكَانَ طَهُورًا حَالَةَ الِاسْتِعْمَالِ بِالنَّصِّ لَا بِحُكْمِ الضَّرُورَةِ كَحِلِّ الْمَيْتَةِ بَلْ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ أَصْلِيَّةٌ لَهُ كَحِلِّ الذَّبِيحَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الضَّرُورَةَ تَرْتَفِعُ بِمِيَاهِ الْأَوْدِيَةِ ثُمَّ جَعَلَ مَاءَ الْبَحْرِ طَهُورًا بِلَا ضَرُورَةٍ فَثَبَتَ أَنَّهُ طَهُورٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ أَصْلٌ قَبْلَ التَّعْلِيلِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَارَ طَهُورًا بِاعْتِبَارِ الْإِزَالَةِ فَصَارَ كُلُّ مُزِيلٍ طَهُورًا مِثْلَهُ حَتَّى إنَّ السَّيْفَ إذَا أَصَابَهُ دَمٌ فَيَبِسَ، وَمُسِحَ بِحَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ طَهُورٌ، وَكَانَ ذَلِكَ طَهُورًا؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ عَيْنَهُ وَأَثَرَهُ كَالْمَاءِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَوَابِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ أَنَّ بَعْضَ النَّجَاسَةِ الَّتِي كَانَتْ مُجَاوِرَةً لِلثَّوْبِ جَاوَرَ الْمَاءَ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ الْمَاءِ بِالْمُلَاقَاةِ مَا كَانَ بِتَبَدُّلِهِ فِي نَفْسِهِ بَلْ بِالْمُجَاوَرَةِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ الْمُجَاوَرَةِ فِي حَقِّ الْمَاءِ عَدَمُ الْمُجَاوَرَةِ فِي الثَّوْبِ بِقَدْرِهِ، وَالنَّجَاسَةُ فِي نَفْسِهَا مُتَنَاهِيَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْقَطِعَ الْمُجَاوَرَةُ عَنْ الثَّوْبِ بِتَكَرُّرِ الْغُسْلِ لِتَنَاهِي النَّجَاسَةِ ضَرُورَةً إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ تَصَرَّفَ بِالْحُكْمِ بِتَنَاهِي النَّجَاسَةِ بِإِزَالَةِ الْعَيْنِ وَالْأَثَرِ فِيمَا لَهُ أَثَرٌ وَبِالثُّلُثِ فِيمَا أَثَرَ لَهُ فَثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الزَّوَالِ عَنْ الْمَحَلِّ وَعَدَمِ تَنَاهِي النَّجَاسَةِ مَرْدُودٌ عَقْلًا، وَأَنَّ التَّنَجُّسَ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ إنْ سُلِّمَ غَيْرُ مَانِعٍ عَنْ ثُبُوتِ الطَّهَارَةِ فِي الْمَحَلِّ.
وَكَذَا الطَّهَارَةُ فِي الْمَحَلِّ كَانَتْ ثَابِتَةً بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَلَمْ تَبْقَ بِالْمُجَاوَرَةِ فَإِذَا زَالَ الْمُجَاوِرُ وَظَهَرَتْ الطَّهَارَةُ الْأَصْلِيَّةُ لَا أَنْ تَثْبُتَ طَهَارَةٌ بِالنَّصِّ ابْتِدَاءً.
1 -
قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَزُولُ بِسَائِرِ الْمَائِعَاتِ) وَوَجْهُ وُرُودِهِ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ إلْحَاقُ غَيْرِ الْمَاءِ بِهِ فِي كَوْنِهِ طَهُورًا بِعِلَّةِ الْإِزَالَةِ جَازَ فِي النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ الْإِلْحَاقُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ طَهُورِيَّةَ الْمَاءِ فِيهَا بِاعْتِبَارِ الْإِزَالَةِ كَمَا فِي النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَقَدْ أَنْكَرْتُمْ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُنَاقَضَةً مِنْكُمْ فَقَالَ: لَا يَلْزَمُ عَلَيْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْمَاءِ، وَهُوَ التَّطْهِيرُ لَا يَثْبُتُ فِي مَحَلِّ الْغُسْلِ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْمُزَالِ، وَهُوَ الْمَانِعُ الْحُكْمِيُّ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ الْمُسَمَّى بِالْحَدَثِ لِيَثْبُتَ بِوَاسِطَةِ إزَالَتِهِ الطَّهَارَةُ فِي الْمَحَلِّ، وَذَلِكَ أَيْ الْمُزَالُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ ثَبَتَ فِي مَحَلِّ الْغُسْلِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى لِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ حَقِيقَةً وَشَرْعًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ وَأَمَّا شَرْعًا فَلِأَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ لَا يَغْسِلُ وَكَذَا حَلَّ لَهُ تَنَاوُلُ الطَّعَامِ بِالْيَدِ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَهُ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الَّذِي لَا يُبَالَى بِخَبَثِهِ بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] فَلَمْ يَسْتَقِمْ إثْبَاتُ هَذَا الْمُزَالِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى عِنْدَ اسْتِعْمَالِ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ بِالرَّأْيِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى لَا يُمْكِنُ تَعْلِيلُهُ لِلتَّعْدِيَةِ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ مَعَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْقُولَ الْمَعْنَى لَا يُمْكِنُ التَّعْدِيَةُ أَيْضًا عَنْ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ لَيْسَ بِنَظِيرِهِ لِلْمَاءِ، فَإِنَّ الْمَاءَ يُوجَدُ مُبَاحًا لَا يُبَالَى بِخَبَثِهِ فَلَا يَكُونُ فِي إثْبَاتِ الْمُزَالِ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْهُ خَبَثُهُ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ حَرَجٌ فَيُمْكِنُ إثْبَاتُهُ.
فَأَمَّا سَائِرُ الْمَائِعَاتِ فَأَمْوَالٌ لَا تُوجَدُ مُبَاحَةً إلَى الْغَالِبِ فَيَكُونُ فِي إثْبَاتِ الْمُزَالِ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْهُ خَبَثُهَا، وَحُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِهَا حَرَجٌ عَظِيمٌ فَلَا يَدُلُّ إثْبَاتُ