ابْنِ عَبَّاسٍ: «تَعَجَّلُوا إلَى الْحَجِّ» يَعْنِي الْفَرِيضَةَ وَحَدِيثُ الْفَضْلِ «مَنْ أَرَادَ الْحَجّ فَلْيَتَعَجَّلْ» رَوَاهُمَا أَحْمَدُ، وَلَيْسَ التَّعْلِيقُ عَلَى الْإِرَادَةِ هُنَا لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ، بَلْ كَقَوْلِهِ: «مَنْ أَرَادَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» «وَمَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ فَلْيَتَوَضَّأْ» وقَوْله تَعَالَى {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير: 28] وَلِأَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَرْضُ الْعُمْرِ فَأَشْبَهَا الْإِيمَانُ، وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ جُمْلَةٌ مِمَّا يَتَعَلَّق بِذَلِكَ.
" تَتِمَّةٌ " قَالَ ابْنُ بُخْتَانٍ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ يَغْزُو قَبْلَ الْحَجِّ قَالَ: نَعَمْ إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ الْحَجِّ أَجْوَدُ، وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ رَجُلٍ قَدِمَ يُرِيدُ الْغَزْوَ وَلَمْ يَحُجَّ فَنَزَلَ عَلَيْهِ قَوْمٌ فَثَبَّطُوهُ عَنْ الْغَزْوِ وَقَالُوا: إنَّك لَمْ تَحُجَّ تُرِيدُ أَنْ تَغْزُوَ؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ: اللَّهِ يَغْزُو وَلَا عَلَيْهِ فَإِنْ أَعَانَهُ اللَّهُ حَجَّ وَلَا نَرَى بِالْغَزْوِ قَبْلَ الْحَجِّ بَأْسًا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هَذَا مَعَ أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَهُ، لَكِنَّ تَأْخِيرَهُ لِمَصْلَحَةِ الْجِهَادِ كَتَأْخِيرِ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْفَوْرِ لِانْتِظَارِ قَوْمٍ أَصْلَحَ مِنْ غَيْرِهِمْ أَوْ لِضَرَرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ وَتَأْخِيرِ الْفَوَائِتِ لِلِانْتِقَالِ عَنْ مَكَانِ الشَّيْطَانِ وَهَذَا أَجْوَدُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي تَأْخِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَّ إنْ كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ مُتَقَدِّمًا، وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَقْتَضِي جَوَازَ الْغَزْوِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ مَالٌ لِلْحَجِّ: فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنْ أَعَانَهُ اللَّهُ حَجَّ مَعَ أَنَّ عِنْدَهُ تَقْدِيمَ الْحَجِّ أَوْلَى، كَمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ فِي الْجِهَادِ.
فَإِنْ (عَجَزَ عَنْ السَّعْيِ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (لِكِبَرٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ) كَالسُّلِّ (أَوْ ثِقَلٍ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ يَرْكَبُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ أَوْ كَانَ نِضْوَ الْخِلْقَةِ وَهُوَ الْمَهْزُولُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الثُّبُوتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ، وَيُسَمَّى) الْعَاجِزُ عَنْ السَّعْيِ لِزَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ (الْمَعْضُوبَ) مِنْ الْعَضْبِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ: وَهُوَ الْقَطْعُ كَأَنَّهُ قُطِعَ عَنْ كَمَالِ الْحَرَكَةِ وَالتَّصَرُّفِ وَيُقَالُ: بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ كَأَنَّهُ ضُرِبَ عَلَى عَصَبِهِ فَانْقَطَعَتْ أَعْضَاؤُهُ قَالَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنَاسِكِهِ (أَوْ أَيِسَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَحْرَمٍ لَزِمَهُ) أَيْ: مَنْ ذُكِرَ (إنْ وَجَدَ نَائِبًا حُرًّا أَنْ يُقِيمَ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَيْسَرَ مِنْهُ) ، إنْ كَانَ غَيْرَ بَلَدِهِ (مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرُ) عَلَى الْفَوْرِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ؟ عَنْهُ قَالَ: حُجِّي عَنْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.