تُورِثُ غَلَبَةَ الظَّنِّ، فَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهَا أَخْبَارُ الثِّقَةِ قَوَّى الظَّنَّ، وَرُبَّمَا أَفَادَ الْعِلْمَ بِخِلَافِ هِلَالِ الْفِطْرِ فَإِنَّهُ لَا أَمَارَةَ عَلَيْهِ، وَأَيْضًا وَقْتُ الْفِطْرِ مُلَازِمٌ لِوَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَإِذَا ثَبَتَ دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِأَخْبَارِ الثِّقَةِ أُثْبِتَ دُخُولُ وَقْتِ الْإِفْطَارِ تَبَعًا لَهُ، ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ.
(وَإِذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ أَفْطَرُوا) فِي الْغَيْمِ وَالصَّحْوِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْعَدْلَيْنِ يَثْبُتُ بِهَا الْفِطْرُ ابْتِدَاءً، فَتَبَعًا لِثُبُوتِ الصَّوْمِ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ إثْبَاتُ إخْبَارٍ بِهِ عَنْ يَقِينٍ وَمُشَاهَدَةٍ، فَكَيْفَ يُقَابِلُهَا الْإِخْبَارُ بِنَفْيٍ وَعَدَمٍ وَلَا يَقِينَ مَعَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الرُّؤْيَةَ يُحْتَمَلُ حُصُولُهَا بِمَكَانٍ آخَرَ، وَلِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
وَ (لَا) يُفْطِرُوا (إنْ صَامُوا) الثَّلَاثِينَ يَوْمًا (بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ) ؛ لِأَنَّهُ فِطْرٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى وَاحِدٍ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِلَالِ شَوَّالٍ.
(وَإِنْ صَامُوا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ قَضَوْا يَوْمًا فَقَطْ نَصًّا) نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَلِيٍّ؛ وَلِأَنَّهُ يَبْعُدُ الْغَلَطُ بِيَوْمَيْنِ (وَإِنْ صَامُوا لِأَجْلِ غَيْمٍ وَنَحْوِهِ) كَقَتَرٍ وَدُخَانٍ (لَمْ يُفْطِرُوا) وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ فِي الشَّرْحِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا كَانَ احْتِيَاطًا فَمَعَ مُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ وَهُوَ بَقَاءُ رَمَضَانَ أَوْلَى.
(فَلَوْ غُمَّ هِلَالُ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَجَبَ أَنْ يُقَدَّرَ رَجَبٌ وَشَعْبَانُ نَاقِصَيْنِ) احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ (وَلَا يُفْطِرُوا حَتَّى يَرَوْا الْهِلَالَ) لِشَوَّالٍ (أَوْ يَصُومُوا اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا) ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا كَانَ احْتِيَاطًا (وَكَذَا الزِّيَادَةُ) أَيْ: زِيَادَةُ صَوْمِ يَوْمَيْنِ عَلَى الصَّوْمِ الْوَاجِبِ (إنْ غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ، وَأَكْمَلْنَا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ، وَكَانَا نَاقِصَيْنِ) فَقَدْ صِيمَ يَوْمَانِ زَائِدَانِ عَلَى الْمَفْرُوضِ.
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَعَلَى هَذَا فَقِسْ إذَا غُمَّ هِلَالُ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ انْتَهَى أَيْ: فَلَا يُفْطِرُوا حَتَّى يَرَوْا الْهِلَالَ، أَوْ يَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا.
(قَالَ الشَّيْخُ: قَدْ يَتَوَالَى شَهْرَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ ثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ) أَيْ كَامِلَةً (وَقَدْ يَتَوَالَى شَهْرَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ) .
عَنْ الْعُلَمَاءِ (لَا يَقَعُ النَّقْصُ مُتَوَالِيًا فِي أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ وَأَكْثَرُ أَيْ: أَرْبَعَةٌ فَقَطْ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ «شَهْرَانِ لَا يَنْقُصَانِ: رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ» نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ وَالْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُمَا لَا يَجْتَمِعُ نُقْصَانُهُمَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَالِبًا وَقِيلَ: لَا يَنْقُصُ أَجْرُ الْعَمَلِ فِيهِمَا