«لَا يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، وَاسْتَدَلَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «إذَا كَانَ الثَّوْبُ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حَقْوِكَ» وَفِي لَفْظٍ «فَائْتَزِرْ بِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ هَذَا فِي التَّطَوُّعِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْفَرْضِ.
وَالْمُرَادُ بِالْعَاتِقِ: مَوْضِعُ الرِّدَاءِ مِنْ الْمَنْكِبِ وَقَوْلُهُ بِلِبَاسٍ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الثَّوْبِ الَّذِي سَتَرَ بِهِ عَوْرَتَهُ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، فَأَيُّ شَيْءٍ سَتَرَ بِهِ عَاتِقَهُ أَجْزَأَهُ (وَلَوْ وَصَفَ الْبَشَرَةَ) لِعُمُومِ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» وَهُوَ يَعُمُّ مَا يَصِفُ وَمَا لَا يَصِفُ (فَلَا يُجْزِئُ حَبْلٌ وَنَحْوُهُ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لِبَاسًا.
(وَيُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَنْ تُصَلِّيَ فِي دِرْعٍ وَهُوَ الْقَمِيصُ) وَقَالَ أَحْمَدُ شِبْهُ الْقَمِيصِ، لَكِنَّهُ سَابِغٌ يُغَطِّي قَدَمَيْهَا، قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَخِمَارٍ وَهُوَ غِطَاءُ رَأْسِهَا) وَتُدِيرُهُ تَحْتَ حَلْقِهَا (وَمِلْحَفَةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (وَهِيَ الْجِلْبَابُ) رَوَى ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ فِي جُزْئِهِ عَنْ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُومُ إلَى الصَّلَاةِ فِي الْخِمَارِ وَالْإِزَارِ وَالدِّرْعِ، فَتُسْبِلُ الْإِزَارَ فَتُجَلْبَبُ بِهِ، وَكَانَتْ تَقُولُ: ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ لَا بُدَّ لِلْمَرْأَةِ مِنْهَا فِي الصَّلَاةِ إذَا وَجَدَتْهَا: الْخِمَارُ وَالْجِلْبَابُ وَالدِّرْعُ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَوْفَى مِنْ الرَّجُلِ عَوْرَةً فَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ سُتْرَةً (وَلَا تَضُمُّ ثِيَابَهَا) قَالَ السَّامِرِيُّ (فِي حَالِ قِيَامِهَا) .
(وَيُكْرَهُ) أَنْ تُصَلِّيَ (فِي نِقَابٍ وَبُرْقُعٍ بِلَا حَاجَةٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَكْشِفَ وَجْهَهَا فِي الصَّلَاةِ وَالْإِحْرَامِ وَلِأَنَّ سَتْرَ الْوَجْهِ يُخِلُّ بِمُبَاشَرَةِ الْمُصَلِّي بِالْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ، وَيُغَطِّي الْفَمَ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجُلَ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ كَحُضُورِ أَجَانِبَ، فَلَا كَرَاهَةَ.
(وَإِنْ اقْتَصَرَتْ عَلَى سَتْرِ مَا سِوَى وَجْهِهَا، كَأَنْ صَلَّتْ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ أَجْزَأَهَا) قَالَ أَحْمَدُ اتَّفَقَ عَامَّتُهُمْ عَلَى الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ، وَمَا زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ وَأَسْتَرُ، وَلِأَنَّهَا سَتَرَتْ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُهُ فَاكْتُفِيَ بِهِ.
(وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِكَشْفِ يَسِيرٍ مِنْ الْعَوْرَةِ) وَالْيَسِيرُ هُوَ الَّذِي (لَا يَفْحُشُ فِي النَّظَرِ عُرْفًا) وَيَخْتَلِفُ الْفُحْشُ بِحَسَبِ الْمُنْكَشِفِ، فَيَفْحُشُ مِنْ السَّوْأَةِ مَا لَا يَفْحُشُ مِنْ غَيْرِهَا (بِلَا قَصْدٍ) «لِقَوْلِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ انْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَعَلَّمَهُمْ الصَّلَاةَ، وَقَالَ يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ فَكُنْتُ أَقْرَأَهُمْ فَقَدَّمُونِي، فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَفْرَاءُ صَغِيرَةٌ فَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ انْكَشَفَتْ عَنِّي