وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ بِهَذِهِ الْخِصَالِ إلَّا إذَا رَآهَا مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْدِيمِ، بِخِلَافِ الْخِصَالِ الَّتِي قَبْلَهَا (وَبَصِيرٌ، وَحُرٌّ، وَبَالِغٌ أَوْلَى مِنْ ضِدِّهِمْ) فَالْبَصِيرُ أَوْلَى مِنْ الْأَعْمَى، وَالْحُرُّ أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ وَالْمُبَعَّضِ، وَالْبَالِغُ أَوْلَى مِمَّنْ دُونَهُ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَتُشْتَرَطُ ذُكُورِيَّتُهُ) فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَالْحِكَايَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ صِحَّتُهُ، لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ فَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا بَقَاءُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ مَنْ هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ (وَعَقْلُهُ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ، كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ (وَإِسْلَامُهُ) لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ، وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ (وَتَمْيِيزُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ، فَيُجْزِي أَذَانُ مُمَيِّزٍ.
وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: الْأَشْبَهُ أَنَّ الْأَذَانَ الَّذِي يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَيُعْتَمَدُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاشِرَهُ صَبِيٌّ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَا يُسْقِطُ الْفَرْضَ، وَلَا يُعْتَمَدُ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَمَّا الْأَذَانُ الَّذِي يَكُونُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً فِي مِثْلِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي فِي الْمِصْرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا فِيهِ الرِّوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ (وَعَدَالَتُهُ، وَلَوْ مَسْتُورًا) فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَفَ الْمُؤَذِّنِينَ بِالْأَمَانَةِ وَالْفَاسِقُ غَيْرُ أَمِينٍ قَالَ فِي الشَّرْحِ فَأَمَّا مَسْتُورُ الْحَالِ فَيَصِحُّ أَذَانُهُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ) أَيْ: الْمُؤَذِّنِ (بِالْوَقْتِ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ.
(وَالْمُخْتَارُ أَذَانُ بِلَالِ) بْنِ رَبَاحٍ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (خَمْسَ عَشَرَةَ كَلِمَةً، أَيْ: خَمْسَ عَشَرَةَ جُمْلَةً لَا تَرْجِيعَ فِيهِ وَالْإِقَامَةُ إحْدَى عَشْرَةَ) جُمْلَةً لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ كَذَلِكَ وَيُقِيمُ حَضَرًا وَسَفَرًا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ أَحْمَدُ هُوَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ قِيلَ لَهُ: إنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ بَعْدَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ رَجَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَدِينَةِ.
وَأَقَرَّ بِلَالًا لِأَذَانِ عَبْدِ اللَّهِ وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ قَالَ «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، زَادَ الْبُخَارِيُّ «إلَّا الْإِقَامَةَ» وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «إنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ، مَرَّتَيْنِ وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَهُ.
" فَائِدَةٌ " قَوْلُهُ " اللَّهُ أَكْبَرُ " أَيْ: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، أَوْ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ مَا لَا